عودة سماسرة الإعلان، وإتمام إعلانها مقابل مبالغ مالية، برزت خلال الأيام الماضية، بعدما فشلت وزارة العدل في احتواء أزمة إعلانات الدعاوى القضائية، وفي تحجيم نزيف الخسائر الذي مازالت تتكبَّده الدوائر القضائية، بسبب إضاعة وقتها خلال الشهور الثلاثة الماضية دون فصل قضائي حقيقي، بسبب تأجيل الدعاوى، لعدم إتمام الإعلان، وإضاعة وقت المتقاضين، وحرمانهم من ممارسة حقهم في التقاضي، بل قيام عدد من الدوائر القضائية بوقف قضاياهم جزائيا، بدلا من تغريم المتسبب في عدم إتمام الإعلان.
إكرامية
حالة الانهيار الإداري التي تعانيها المحاكم كشفت غياب البنية التحتية السليمة لإتمام إجراءات التقاضي الطبيعية التي يجب أن تتمتع بها أي دولة، وأصبح تقديم المال باسم «الإكرامية» لبعض «الحجاب» في المحاكم، هو الذي يحرِّك مسيرة العمل الإداري، بعد أن ضاع عنها النظام، وغابت عنها الإدارة، وأصبحت الفوضى المشهد الحقيقي الذي يقود أوضاع المتقاضين في المحاكم!الحال التي وصل إليها قطاع المحاكم، وتحديدا في المحكمة الكلية وبعض الإدارات التابعة للتنفيذ والحفظ في بعض المحاكم، تتطلب تحركا سريعا من المجلس الأعلى للقضاء، للوقوف على حال المتقاضين إداريا، ومطالبة وكيل وزارة العدل، العضو في المجلس الأعلى للقضاء، بسرعة حلها، مع التعهد بجدول زمني، في وقت تدعي الوزارة قدرتها على إدارة الشأن الإداري في المحاكم وتطويره، فيما يكشف الواقع العملي عجز قدرتها عن إتمام ذلك!امتناع عن الصرف
في ظل الفوضى الإدارية التي تعيشها المحاكم، هناك فوضى أخرى تتسب بها الوزارة، وليس الموظفون. ففي الوقت الذي تكلف عددا من الموظفين القيام بالأعمال المسائية والإضافية، لم تصرف لهم مقابلا ماليا عنها منذ يونيو الماضي، أي ما يقارب عاما كاملا، وهو أمر يثير التساؤل: لماذا التعنت في حقوق الموظفين والامتناع عن صرف حقوقهم؟!
وبينما كان منتظرا من وزارة العدل تفعيل قانون الإعلان الإلكتروني، الذي صدر بتنظيمه القانون رقم 26 لسنة 2015 ودخوله حيِّز التنفيذ لمواجهة مشاكل الإعلان التقليدي العادي والتقليل من الضغط على كاهل مندوبي الإعلان من خلال الاستعانة بوسائل الإعلان الحديثة، جاءت الطامة الكبرى بعد عامين ونصف العام على هذا القانون، بعدم جاهزية «العدل» لتطبيق الإعلان الإلكتروني!الإعلان الإلكتروني
وفيما كان يتعيَّن على الوزارة أن تسارع بالاجتماع مع ممثلي الجهات الحكومية وممثلي القطاع الخاص أو رفع مشروع لمجلس الوزراء لمطالبة الجهات الحكومية والقطاع الخاصة بتفعيل قانون الإعلان الإلكتروني، للحد من مشاكل الإعلان التقليدي، تنشغل من جديد بالبحث عن المتسبب في عدم تفعيل القانون الصادر منذ عامين ونصف العام، في حين أن الأمر يتطلب إنشاء فرق تعمل على التنسيق مع الوزارات، وأخرى فنية تعمل على تجهيز النظم مع الإعلان عن الجدول الزمني للبدء بتنفيذ الإعلان الإلكتروني.وسعيا لمواجهة مشكلة الإعلان، ورغبة في تفعيل أحكام قانون الإعلان الإلكتروني، أعلنت إدارة الفتوى والتشريع، على لسان رئيسها المستشار صلاح المسعد لـ«الجريدة»، موافقتها على إتمام الإعلانات القضائية للجهات الحكومية التي تتولى الدفاع عنها عن طريق الإعلان الإلكتروني، من خلال البريد الإلكتروني أو الفاكس، وأنها تنتظر التنسيق مع «العدل» لإتمام الإعلان الإلكتروني، لتسهيل إجراءات التقاضي.البلدية
كما وافقت بلدية الكويت، ممثلة بالإدارة القانونية، على إتمام إعلان الدعاوى القضائية المقامة ضدها عن طريق البريد الإلكتروني أو الفاكس، وسعيها للتنسيق مع «الفتوى والتشريع» بشأن الآليات التي ستتبعها «الفتوى» بشأن الإعلان الإلكتروني، فضلا عن تعميمها لأحكام قانون الإعلان الإلكتروني لإتمام إعلانات الدعاوى القضائية المقامة ضدها سنويا، وهي قرابة 2500 قضية تقريبا، بما يسمح بتنظيم إجراءات التقاضي إلكترونيا، ويعجِّل من إتمامها وسرعة الفصل فيها.كارثة الخبراء
في الوقت الذي أمل المتقاضون سرعة إتمام الفصل في القضايا المعروضة أمام الخبراء، على خلفية تعيين أكثر من 500 خبير، مازال تعطل الفصل في القضايا أمرا واقعيا بإدارة الخبراء، فأصبحت القضية المستعجلة بإثبات الحالة تستغرق لتحديدها أكثر من 3 شهور، ولم تحدد حتى الآن، والبعض تم تحديده بعد سلسلة من الكتب، بحجة توزيع الخبراء داخل الإدارة، رغم أن رفع القضية والحكم بها لا يحتاج أسبوعين، فضلا عن استغراق وصول القضايا بنظام الامج أسابيع طويلة، وربما أشهر!
مشكلة الإعلان ليست هي الوحيدة التي تشتكي منها المحاكم، بل تفتقد المحاكم نظام الرقابة على حركة الملفات القضائية، التي أصبحت اليوم عُرضة للسرقة والفقد، وهو حال الملف الذي مازال مسروقا لأكثر من شهر ونصف الشهر، وهو يخص إحدى القضايا الجزائية المعروضة أمام المحاكم لإحدى الشركات المتهمة بالنصب العقاري وغسل الأموال، والحال كذلك بالنسبة للملفات الأخرى التي مازالت مفقودة بمحكمة الرقعي، ورفعت بشأنها دعاوى قضائية.متابعة
ومشكلة الملفات تتطلب للعمل على تجنبها وضع جميع الملفات لكل الدوائر القضائية في أحد المكاتب الكبيرة أو المخازن الداخلية للمحاكم، في خزانات، تخصص لكل دائرة خزانة واحدة، وبعد انتهاء الجلسة تتم إعادة الملفات، وفي يوم الجلسة يقوم أمين سر الجلسة بنقل ملفاته مجددا من ذلك المخزن المجهز بالكاميرات. كما يتعيَّن إنشاء قسم للمتابعة يتولى مهمة تلقي الطلبات من وكلاء المحامين، وعرضها على الدوائر، وإبعاد احتكاك أمناء سر الجلسات بالمتقاضين، بعد أن يكون اتصال المتقاضين بأقسام المتابعة.الاستئناف
المشكلة لم تتوقف داخل إطار العمل الإداري بالمحكمة الكلية، بل امتدت لتؤثر على العمل بمحكمة الاستئناف، نتيجة عدم ضم ملفات محكمة أول درجة لنظرها أمام «الاستئناف»، وهو ما يترتب عليه تعطيل الفصل في القضايا، ليس أمام «الكلية»، بل أمام «الاستئناف»، وبلغ عدد القضايا خلال الأسابيع الماضية 150 دعوى لم يتم ضم ملفها من محكمة أول درجة، ومعطل الفصل بها من محكمة الاستئناف، وقد يترتب على ذلك استبعادها من الرول، ما قد يُوقف الفصل بها لأسابيع، وربما أشهر، لحين وصول ملفاتها من محكمة أول درجة!سكرتير جزائي
تكليف أمناء سر الجلسات في القضايا الجزائية بمسؤولية دائرتين يترتب عليه تحمُّل أعباء كبيرة، وهو ما يتعيَّن تنبه المسؤولين له، فالأعمال التي يقوم بها أمين سر الجلسات بالقضايا الجزائية تختلف عن تلك التي يقوم بها أمين سر بالقضايا المدنية، لأن أمين سر الجلسات الجزائية هو مَن يقوم بمخاطبة قسم الإعلان، لإتمام إعلانات المتهمين ومتابعتها، كما أنه المسؤول عن مخاطبة السجن، وإرسال الكشوف لهم للحضور قبل الجلسة، وهو مسؤول عنها، كما أنه مسؤول عن مخاطبة النيابة عن قرارات المحاكم، وعن إحالة الأحكام الجزائية بذات اليوم، أو اليوم التالي الذي تصدر فيه الأحكام لتنفيذها، وإرسال الأحكام للطباعة، وهي مسائل لا يقوم بها أمين سر الجلسة بالقضايا الأخرى، الأمر الذي يتعيَّن على المسؤولين بالمحاكم تخصيص أمين سر جلسة لكل دائرة جزائية فقط.