تعيش بغداد واحدة من أغرب تجارب تشكيل التحالفات الانتخابية منذ سقوط النظام السابق قبل 15 عاماً، لتؤكد أن الاقتراع المقرر في مايو المقبل متميز على كل المستويات وحاسم.وبينما حسمت معظم الأطراف أمرها تقريباً، وانتهت من الملامح الأساسية لقوائمها، تبقى لائحة رئيس الحكومة حيدر العبادي، الذي يمثل الجناح الشيعي الموصوف بالاعتدال، قلقة ولا يقر لها قرار، إذ تدخل فيها 10 أحزاب نهاراً، ثم تغادرها 10 كيانات ليلاً، والوساطات الأميركية والإيرانية في هذا الملف لا تتوقف لحظة، كما تشير أهم المصادر في بغداد.
وكان محور الأحاديث تحالف العبادي مع 8 ميليشيات متطرفة محسوبة على إيران، وكانت تخوض صراعاً وتراشقاً مع العبادي نفسه طوال سنوات، لكن الطرفين تحالفا ليل السبت - الأحد الماضي، ثم تفارقا نهار الأحد، ثم عادا للتحالف ظهيرة اليوم نفسه، ليتفارقا ثانية أمس، إلى درجة أن الأمر صار مثيراً للسخرية عند الجمهور، الذي بات متفرجاً على مسلسل يكاد يبدو بلا نهاية.وينشغل المراقبون بثلاث نقاط أساسية في هذا الملف، وهم يتابعون أهم قائمة انتخابية يراد لها منح ولاية ثانية للعبادي برغبة داخلية واسعة وتشجيع إقليمي ودولي متحمس لأسلوب رئيس الحكومة في تخفيف الاحتقان، والقيام بإصلاحات واعدة للبلاد المحطمة بأربعة عقود من الحرب.أولى النقاط أن الجمهور العام المؤيد للعبادي شعر بالصدمة، لأنه كان يرغب في رؤية قائمة تمثل سيادة الدولة وتكافح الوجود الميليشياوي، وهي صدمة لم ينجح أنصار العبادي في تخفيفها رغم قولهم إن الحكومة تحاول احتواء هؤلاء وتجريدهم من سلاحهم وتحويلهم إلى العمل السياسي، حتى إن مقتدى الصدر، رجل الدين النافذ الداعم بقوة للعبادي، أصدر بياناً شديد اللهجة، عبر فيه عن غضبه، وتوعد وهدد وتساءل عن مصير إصلاحات العبادي، التي كان الصدر جزءاً أساسياً فيها، بتحالفه المثير مع حركة الاحتجاج المدنية العلمانية.والنقطة الثانية هي أن المراقبين يلاحظون خلال هذا الحدث المرتبك ظهور صراع بين إيران وأميركا على العبادي، فالإيرانيون تقبلوا بوضوح أن الرجل أصبح واقع حال للتسوية العراقية داخلياً ودولياً، لذلك تخلوا تدريجياً عن دعم سلفه نوري المالكي الصامت، والذي بات وحيداً مع مرشحين من عائلته في تحالف آفل، لكن طهران، التي دعمت الميليشيات ليتحالفوا مع العبادي «تريده لها وحدها»، كما تعبر بعض المصادر.أما واشنطن، التي تتفهم الضغوط والتحديات في بغداد دون غضب كبير من تحالف العبادي مع الفصائل المسلحة، فتشجعه على أن يصنع توازناً داخل قائمة المرشحين، بتحويلها إلى تحالف واسع يضم الكثير من السنة والعلمانيين، وهو ما تأكد في مفاجأة كبيرة حين دخل عمار الحكيم، المتمرد على الضغوط الإيرانية، في قائمة «النصر»، التابعة لرئيس الحكومة، وسط أنباء عن وجود مفاوضات مع الصدر وأحزاب علمانية مختلطة مذهبياً للغرض نفسه.وتذكر المصادر أن هذا أغضب الفصائل المقربة من طهران، والتي أرادت الانفراد بالعبادي، والاستحواذ على شعبيته وحظوظه الكبيرة، فانسحبت ثم عادت ثم انسحبت، بينما الوسطاء المحليون والدوليون ينخرطون في مفاوضات صعبة لحسم الأمر في جداول زمنية ضيقة.وأشارت إلى أن العبادي، الذي نجح إلى حد معقول في إدارة الحرب على «داعش» طوال 3 أعوام، مناوراً بين عشرات الأطراف المسلحة المتناقضة التي خاضت المعارك، نظامية وميليشياوية، يأمل أن ينجح في إدارة فصائل متناقضة لتكوين شكل البرلمان المقبل، وما ينتج عنه من حكومة.لكن هذه النقطة الثالثة التي تهم المراقبين تصطدم بتاريخ من الصراع داخل الحركات الشيعية بين حاملي السلاح أو «المجاهدين»، كما يصفون أنفسهم، والأفندية المدنيين من حملة الشهادات والتكنوقراط، الذين يجدون أنفسهم أحق بإدارة البلاد، بينما يتهمهم المسلحون بأنهم فاسدون وغير مخلصين لمبادئ الثورة والفكر الديني، ويظهر هذا الصراع لأول مرة بهذا المستوى المقلق في انتخابات 2018 إلى درجة أنه يهدد بتأجيلها.
أخبار الأولى
ملاكمة أميركية - إيرانية على انتخابات العراق تربك العبادي
16-01-2018