واصلت ندوة القرين الرئيسية "اقتصاديات الثقافة العربية ودور الكويت الثقافي في تنمية المعرفة" عقد جلساتها، أمس، في فندق كراون بلازا، لتصل إلى الجلسة الرابعة، والخامسة. وفي الجلسة الرابعة، التي حملت عنوان "هل الثقافة سلعة أم خدمة مساعدة ترفد التنمية؟"، شارك من السعودية الأستاذ الدكتور معجب العدواني، ومن مصر د. أيمن بكر، ود. طارق الشناوي، وأدارتها من الكويت د. ابتهال الخطيب.وفي ورقته البحثية، تحدث العدواني عن المكون الثقافي في صناعة الثقافة، مشيرا إلى الشعراء العرب القدامي الذين في معظمهم كانوا يتكسبون بقصائدهم، معتبراً أن ذلك منافٍ للأخلاق الثقافية.
وأوضح العدواني أن مفهومي العامة والجماهير لم تكونا دارجتين في الثقافة العربية في العصور القديمة، فقد ظل الأخير حتى العصر الحديث غائبا عن التكوين والفعالية، متواصلا مع هذه المسألة من خلال ما أفرزته الحياة السياسية وما قدمه الفلاسفة من آراء واتجاهات.وخلص إلى حاجة الوطن العربي إلى "بريستروريكا ثقافية" تقوم على احترام مكانة الجماهير وتقدير صفاتهم وأدوارهم الحاسمة في صناعة الثقافة، لتعيد النظر إلى الثقافة من منظور مختلف كليا، وتتذرع إلى ذلك بخلق السياسات الملائمة، لإعادة هيكلة المنتجات الثقافية بصورة مختلفة.
سوق الثقافة
وأجرى د. بكر في ورقته البحثية مقارنة بين سوق الثقافة بالمعنى الضيق الذي يحصرها في العمل الإبداعي والفكري في مجالات اللغة والفنون والموسيقى والنقد، وسوقين آخرين أولهما يبدو على المستوى السطحي سوقا تابعا لمجال الثقافة الفنية، خاصة الرسم والنحت، لكنه في العمق مضاد للثقافة عامة، هادم لتفاعلاتها النشطة، والتي يقصد بها سوق المنتجات الفنية والثقافية المقلَّدة بصورة شائهة، أو ما يعرف اصطلاحا بالكيتش kitsch. وتابع د. بكر: "أما السوق الثاني فهو سوق الإعلام الرياضي، وخص فيه الباحث فكرة المشاهدة التي تتخذ من المباريات الرياضية مادة تسويق، خاصة كرة القدم". وبدأ البحث بتحديد ما يطلق عليه المعنى الضيق لمصطلح "الثقافة"، والمعنى الواسع الذي يسوي بين مصطلحي "الثقافة" و"الحضارة"، ثم تطرق إلى توضيح حدود السوقين الأخيرين ومدى تأثيرهما في السوق الثقافية.وقال طارق الشناوي في ورقته البحثية: "يقولون إن الألم هواية والأمل موهبة، وأنا أحاول في هذه الدراسة أن أمسك بخيوط الأمل، على عكس تلك النظرة المتشائمة التي يتبناها كُثر عندما يطلون على المشهد الثقافي العربي برمته، والسينمائي تحديدا، لدي إطلالة أخرى، لا أحاكي نظرية نصف الكوب الملآن الذي يقابله بالضرورة نصف فارغ، المتشائم هو الذي يكتفي بالنصف الفارغ فلا يرى غيره، نعم ليس لدينا نصف ملآن، والأمر لم يزد عن رشفات نتجرعها ونحن نتابع الفيلم العربي في عدد من المهرجانات العالمية بوجوده خارج الحدود، خصوصا أن لدينا جيلا جديدا من المخرجين استطاعوا أن يحققوا نجاحات في المهرجانات العالمية خلال السنوات الأخيرة، لم نصل قطعا إلى تخوم الطموح، ولكن بصيصا من أمل قادم أفضل قطعا من ضياع الأمل، وتلك هي فضيلة موهبة الأمل".حراك ثقافي
أما الجلسة الخامسة، التي أدراها من الكويت عبد الله بشارة وشارك فيها من الكويت الكاتب عبد العزيز السريع، والكاتب خليل حيدر، ومن مصر الأستاذ الدكتور سليمان عبد المنعم، فقد تحدثت عن "دور الكويت الثقافي والتنويري في النصف الثاني من القرن العشرين حتى العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين".وقال السريع في ورقته البحثية إن "الكويت الآن تشهد حراكا ثقافيا مميزا؛ إذ كثرت الإصدارات وازداد عدد الكتاب من الجنسين، وتنوعت اجتهاداتهم ووصلوا إلى الجوائز العربية والعالمية... روائيون وشعراء ونقاد وفنانون في الموسيقى والمسرح والفنون الشعبية والتشكيل، كما تعددت الملتقيات والمهرجانات وازدادت دور العروض المسرحية، وبدأ مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي يستقطب أشهر الفنانين الكويتيين وأشقائهم العرب وكذلك الأجانب".وتحدث الكاتب خليل علي حيدر في ورقة عن الحياة الثقافة الكويتية في النصف الثاني من القرن العشرين، أي 1950 – 2000، ليقول: "تبنت الكويت منذ البداية مفهوما واسعا للاستثمار في الثقافة. وقد وضع المشرفون على الجهد الثقافي الكويتي منذ ما قبل الاستقلال إلى اليوم في اعتبارهم ضرورة تطوير وسائل خدمة الثقافة في العالم العربي كله لا الكويت وحدها". كما تطرق حيدر إلى اهتمام الصحافة الكويتية بالمسرح والسينما وفنون الموسيقى والغناء، إذ فتحت الصحافة الكويتية مجالا واسعا لكتاب القصة القصيرة على وجه الخصوص، مشيرا إلى بداية المرحلة الثقافية مع أواخر الأربعينيات في مصر مع الطلبة الكويتيين المبعوثين.وتضمنت ورقة د. سليمان عبدالمنعم "الصناعات الثقافية: إبداعٌ مظلوم لتنمية منشودة"، وفيها دعوة لتجاوز الجدل الدائر حول المصطلحات المستخدمة في موضوع الصناعات الثقافية، على الرغم من ثرائه النظري والتأصيلي بهدف التركيز على ما هو أساسي ووظيفي في الموضوع ذاته. وعرض د. عبدالمنعم، من خلال الجلسة، موقع الدول العربية في اقتصادات الثقافة والإبداع، وقال: "ثمة أرقام لافتة تكشف عن تواضع حجم اقتصادات الثقافة والإبداع في الدول العربية، لا سيما عند مقارنتها، ليس فقط بالدول المتقدمة الكبرى ولكن أيضا مقارنة بدول مثل تركيا وبلجيكا وتايلاند وسنغافورة. ووفقا للأرقام المتاحة التي تضمنها التقرير العربي الخامس للتنمية الثقافية، الصادر عن مؤسسة الفكر العربي، وبصرف النظر عن عدم شمولية هذه الأرقام فإنه يتضح أن إجمالي السلع الإبداعية لست عشرة دولة عربية يبلغ 6 مليارات و500 مليون دولار أميركي، وهو ناتج لا يزيد كثيرا على ناتج دولة مثل تركيا التي بلغ ناتجها 5 مليارات و369 مليون دولار خلال الفترة نفسها، أو دول أخرى مثل بولندا وسنغافورة وتايلند والتي يبلغ ناتج صادراتها من السلع الإبداعية نحو 5 مليارات دولار تقريبا.إعلان الكويت الثقافي
في فعاليات ندوة القرين الرئيسية، قرأ الأمين العام لجائزة الملك فيصل، في المملكة العربية السعودية، د. عبدالعزيز السبيل، إعلان الكويت الثقافي، وأشار إلى أن المشاركين في الندوة الرئيسية "يؤكدون على الأهمية القصوى لدور الثقافة العربية كأحد حصون الهوية والانتماء للأمة العربية، بكل مكوناتها، وكجسر للتواصل مع الثقافات العالمية الأخرى والانفتاح عليها، وإذ يرون أن الاهتمام بالثقافة والارتقاء بها يتطلب اهتماماً وارتقاء مماثلين بالصناعات والاقتصاديات الثقافية التي أضحت في عالم اليوم مكوّناً اقتصادياً مهماً على المستويين الداخلي والخارجي، وما يترتب على ذلك من ضرورة البحث عن إمكانات وأدوات وآليات لتوظيف واستثمار المقوّمات والأصول الثقافية العربية في تنمية الوجدان والعقل، لا سيّما لدى النشء والشباب كأحد جوانب التنمية البشرية المستدامة والشاملة.فإنهم يوصون بما يلي:أولاً- أهمية إطلاق حوار ثقافي/اقتصادي عربي حول الاستثمار في المقوّمات والأصول الثقافية العربية، وكيفية الاستغلال الأمثل للثروات الثقافية العربية. ثانياً- ضرورة إيلاء اهتمام أكبر بقضية التوفيق بين مقتضيات تطوير الصناعات الثقافية من ناحية، باعتبارها قطاعاً اقتصادياً مهماً، ومتطلبات اعتبار الثقافة حقاً من حقوق الإنسان يجب توفيره لكل مواطن.ثالثاً- السعي لإطلاق مجموعة مبادرات ثقافية في موضوعات محددة من خلال تكامل أضلاع مثلث الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.رابعاً- ضرورة إيلاء أقصى الاهتمام بواقع اللغة العربية باعتبارها أهم حصون الهوية العربية، بما يقتضيه من تحديث مناهج وآليات تعليم اللغة العربية في المؤسسات التعليمية، وأهمية الاستثمار العربي في دعم المحتوى الرقمي العربي على شبكة المعلوماتية العالمية (الإنترنت)، وإصدار معجم لغوي عربي حديث على غرار المعاجم اللغوية العالمية يتم تحديثه بشكل دوري.خامساً- التواصل مع الجهات الرسمية العربية المعنيّة لتذليل العوائق والقيود الجمركية والبيروقراطية، التي تحد من حركة المنتجات الثقافية العربية البينية.سادساً- الدعوة إلى طرح النقاش بين اتحادات الكُتّاب والأدباء العرب واتحادات الناشرين حول مدونة سلوك لحماية حقوق المؤلفين العرب، من ناحية، باعتبارهم الطرف الأضعف في العلاقة التعاقدية، ولضمان حقوق الناشرين العرب من ناحية أخرى، في إطار احترام الجميع لحقوق الملكية الفكرية.سابعاً- الدعوة إلى بناء مشروع ثقافي عربي لمواجهة التحديات والاختراقات التي تواجهها الأمة العربية. ثامناً- الدعوة لإنشاء مجلس أعلى للثقافة العربية. تاسعا- يرحب المجتمعون بالفكرة التي تسعى إليها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في الكويت بإنشاء شبكة أكاديمية عربية لزيادة التواصل بين العاملين بالبحوث العلمية والفكرية من العرب.