القصة القصيرة وأنا
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
الصديق د. سليمان الشطي هو منْ دفعني للنشر، ففي أواخر عام 1991، وبعد قرابة أربعة عشرة عاماً على نشري لقصتي الأولى، نصحني بضرورة طباعة ونشر قصصي بكتاب، قائلاً: "لا يصح أن تبقى تنشر في الجرائد والمجلات داخل الكويت وخارجها". وانعطف صوته الطيب وهو يحثّني: "أنتظر مجموعتك القصصية بكتابك الأول". تأملت نصيحة أستاذي الشطي، وأرسلت مع الدكتور هاني الراهب، يرحمه الله، مجموعتي القصصية الأولى "أبو عجاج طال عمرك" إلى دار الآداب، وكلي يرتجف خوفاً من مغامرة النشر. كُثر أولئك الذين كان لهم الفضل في مسيرتي، ولا يمكن أن أنسى نصيحة الكاتب الصديق السوري حنا مينا، يوم قال لي: "لا تفارق الكتابة، اكتب كل يوم يا طالب، وإذا لم تجد موضوعاً، فاكتب اسمك على الورقة". بقيت أنظر إليه، فأضاف: "خير من يعينك على الكتابة: القراءة".أربعون عاماً، رحلة طويلة ومثيرة وشاقة ومتعبة عشتها ومن يحيط بي، ولم أزل. سمعتُ وقرأتُ مدحاً وذماً وقدحاً وافتراء. ومددت علاقات صداقاتي مع الكثير من مفكّري وقصاصي وروائيي وفناني ونقّاد ومثقفي الوطن العربي والعالم. ولكني في كل ذلك بقيت أتخذ من القراءة معلمي الأول، وأذكّر نفسي كل يوم: "عليك أن تتعلم جديداً". وبعد سنوات وسنوات، صرت أقرأ كي أنسى، وصرت أقدّر وأنشد النقد البناء القاسي في أعمالي، ولا تطربني كلمة المدح. بقيت أحرص وأبحث عمنْ ينصحني موضحاً مكان الخلل في عملي. ولي أصدقاء خُلص في الكويت وخارجها، تعودت ألا أرسل عملي للنشر، قبل أن أمرره عليهم وأناقشهم فيما جاء فيه.أبداً لم أستعجل نشراً، فحصيلة أربعين عاماً كانت سبع مجموعات قصصية، وبمعدل يقارب ست سنوات بين المجموعة والأخرى.كتبتُ الرواية والقصة القصيرة، ومؤكد أن كتابة القصة أصعب بمرات ومرات من كتابة الرواية. خاصة حين ذهبتُ للدراسة والتدريس في جامعة "أيوا-The University of Iowa" الأميركية، ولاحقاً في جامعة "كنغستون-Kingston University London" في لندن، حيث اتضح لي أن الكتابة الإبداعية علم مثل الفيزياء والكيمياء، وأن أي كاتب لا يمكنه الكتابة دون أن يتعلم ويلمّ بأساسيات وعناصر وفنون الكتابة.أربعون عاماً مع قراءة وكتابة القصة القصيرة، منحتني الكثير والكثير من الحياة والمعرفة والأصدقاء والقراء، وحرمتني الكثير والكثير. جعلتني في وحدتي بعيداً عن كل ما يحيط بي من الأهل والأحبة، وحبستني عن كل ما سواها. الكتابةُ عقدٌ صعبٌ لا يحتمل البعد أو الالتفات لما سواه، وإلا انصرف عنك!