يبدو أنه صار مقدراً علينا أن نعيش تحت رحمة، أو زحمة، إن شئت، شطحات الرئيس ترامب، فما إن تنتهي قصة حتى تطلع لنا قصة جديدة، ولا يسعفنا الوقت أن نستوعب الأولى حتى تأتينا الثانية، وكل واحدة بصدمة. لم يمض عليه بالكاد سنة، وحتى الآن صدر حوله 13 كتاباً كلها تتعامل مع حقبة الـ"ترامبوقراطية" بصورة سلبية، بل بعضها بسلبية حادة.مات في السجن بأميركا الأسبوع الفائت إدغار راي كيلين، عن 92 عاماً، زعيم جماعة "كو كلكس كلان" العنصرية في الستينيات، وكان المخطط لقتل ٣ شباب سود، نشطاء في الحقوق المدنية، في أوائل الستينيات، أعمارهم في العشرينيات، صورها باقتدار فيلم "مسيسيبي تحترق"، الحائز جائزة أوسكار لسنة 1988 . فيلم يستحق المشاهدة، يحكي جزءاً من الثقافة العنصرية التي تتحول إلى عنف إجرامي. تلك الثقافة موجودة في كل بقاع الدنيا بما فيها منطقتنا. فالجرائم العادية يعاقب عليها القانون، وهي عادة ما تكون فردية، أما الجرائم العنصرية فهي تحدث ضمن ثقافة تقبل قتل الآخر بل وتؤيده.
ومع أن الجريمة حدثت في 1964 إلا أنه لم يُدن إلا سنة 2005 ، وحكم عليه بالسجن 60 عاماً. وكانت ملابسات بقائه طليقاً أو الحكم على المجرمين شركائه فقط بسبع سنوات هي الثقافة العنصرية السائدة التي سمحت لهم بالتلاعب بالقانون وإيجاد متواطئين عنصريين من الأجهزة الفاعلة كالشرطة والجهاز العدلي.العنصرية ليست لها جنسية، ولا تحدها جغرافيا، ولا تقتصر على عقيدة أو فكر أو دين بعينه. فالعنصرية هي حالة ذهنية، وهي وباء موجود في كل مكان، وهي ليست مقتصرة على تصريحات رئيس تميز بالإثارة. العنصرية التي قد تكون عرقية أو لغوية أو دينية أو جنسية أو مناطقية أو لونية أو مذهبية، أو بين هذا وذاك من أشكال التمييز والنظرة الدونية للآخر، هي داء مستشر عند كثير من الناس. وتكمن الخطورة عندما تتحول تلك المشاعر إلى أفعال واجتثاث وإبادة جماعية وتصفية جسدية، وفي أقل أشكالها تصبح قوانين مسلطة على رؤوس الناس، تميز بينهم بحماية القانون، وتحقق المقولة "القانون شيء والعدالة شيء آخر".العنصرية تستهدف الجميع، فعنصري يمارس عنصريته في موقع ما سيكون هو ذاته ضحية عنصرية آخرين في موقع آخر، واستهدافاتها لا حدود لها، فهي تارة ضد المهاجرين، أو ضد الروهينغا، أو ضد عديمي الجنسية، أو ضد فئة ما في المجتمع، وأحياناً أخرى ضد المذهب، وأخرى ضد قبيلة ما، وتارة بين قبيلة وأخرى، وتارة حتى داخل القبيلة ذاتها. الكل يدعي نقاء عرقه وفساد العرق الآخر. عندما تلفظ ترامب بكلامه البذيء ضد شعوب أخرى، كان يوقع إعلان المساواة بذكرى ميلاد مارتن لوثر كنغ جونيور، وهو يوم عطلة رسمية في أميركا. أثناء خروجه سألته صحافية: "فخامة الرئيس، هل أنت عنصري؟"، لم يجب حينها، لكنه صرح لاحقاً بأنه أبعد شخص عن العنصرية. ربما هو كذلك وربما هو مجرد رجل أعمال يسوق بضاعة عتيقة لعمق انتخابي عنصري، يرى في استئصال الآخر منهجاً للحياة. غير مهم إن كان عنصرياً أم لا فذلك هو ديدن السياسيين الشعبويين لكسب الأصوات، سواء في محيطهم أو في محيطنا، وربما كانت تلك هي أكثر نقاط الضعف في الديمقراطية الانتخابية.
أخر كلام
فخامة الرئيس... هل أنت عنصري؟
17-01-2018