إدلب «وسورية المفيدة»!
كان نظام بشار الأسد، الطائفي وليس نظام الطائفة، قد حول منطقة إدلب، ومعه بالطبع إيران وروسيا، إلى محتشد هائل للسوريين الذين تم اقتلاعهم من مدنهم وقراهم، في إطار مؤامرة إقامة دولة "سورية المفيدة"، كخطوة لرمي من سيسلم منهم من الذبح، بالقنابل العنقودية والفراغية، وبالأسلحة الكيماوية المحرقة، خارج حدود وطنهم الذي لا وطن لهم غيره، وهذا هو ما يجري الآن، وبات واضحاً وضوح الشمس.والغريب أن عملية التهجير هذه كانت ولا تزال تتم في العلن وعلى عينك يا تاجر، ولا يزال يتغنى بها هذا النظام على اعتبار أنها ستحقق له وللإيرانيين ما سماه "الانسجام الاجتماعي"، أي تحويل أبناء الطائفة السنية من أكثرية تشكل ما يزيد على ثمانين في المئة من عدد سكان هذا البلد، الذي أصبح يغرق في مستنقع فارسي – مذهبي، وفقد هويته القومية كما فقد شعار "أمة عربية واحدة... ذات رسالة"، إلى أقلية ووجهت بكثير من الصمت المريب الذي لا يمكن إلا أن يحسب على أنه جزء من هذه المؤامرة القذرة!
الآن وقد اتضحت ملامح ليست سورية المفيدة وإنما سورية المؤامرة، فإن هذا الذي يجري في إدلب وفي شمالي حماة وجنوب حلب هو إفراغ هذا المستودع البشري السني من أهله لبدائل طائفية ومذهبية، تم استيرادها من إيران ومن باكستان ومن أفغانستان، وأيضاً من العراق، محروسة بالقواعد الروسية التي لا تتوقف عند حميميم وطرطوس، إذ إن كل المطارات العسكرية التي تجاوزت الأربعين هي قواعد عسكرية روسية، ربما أهم من هاتين القاعدتين المشار إليهما آنفاً، واللتين يذهب البعض إلى أنهما بدايات استيطان روسي "في القطر العربي السوري"!كان المفترض أن يتحرك العرب، الذين لا يزال فيهم نفس التحرك منذ البدايات، فعندما يعلن الإيرانيون وعلى مستويات عليا أن إيران باتت تحتل خمس عواصم عربية، بينها دمشق بالطبع، فقد كان على الدول العربية كلها، القريبة والبعيدة، ألا تلتزم الصمت، وكان عليها أن تدرك أن الدور سيصلها إن لم يتم وضع حد لإزالة سورية من الخريطة العربية.وكان على رجب إردوغان ألا يركن لاختيار بلده تركيا كإحدى الدول "الضامنة"، حيث هناك، إضافة إليها، كل من إيران وروسيا، فعملية إخراج أكثر من أربعة ملايين سوري من إدلب ستضيف إلى همومه السابقة هموماً جديدة، ولعل ما كان يجب أن يأخذه الرئيس التركي بعين الاعتبار هو أن هؤلاء المهجرين سيشكلون مع الوقت، إضافة إلى عرب لواء الإسكندرون وعرب ماردين، خللاً في "النسيج" القومي والاجتماعي التركي، الذي يعاني بالأساس في هذا المجال من أوجاع كثيرة، أهمها وأخطرها وجع نحو عشرين مليوناً من الأكراد، الذين شكل نظام بشار الأسد ومعه الاتحاد السوفياتي (الراحل) لهم حزب العمال الكردستاني – التركي (P.K.K) الذي لا تزال توظفه وتسيره وتقوده المخابرات الروسية والمخابرات السورية وتستخدمه ضد الدولة التركية.