إلى الأمام إلى الأمام...
بصدور الحُكم الاستئنافي لقضية دخول المجلس، أصبحنا على محك حقيقي، فالنضال في السنوات القليلة الماضية لم يتجاوز رفع الشعارات، مع بعض التجمُّعات والوقفات الاحتجاجية هنا وهناك، واليوم دخل حيِّز التنفيذ الفعلي بأكبر عدد من الضحايا. وحتى يكتمل هذا النضال لمرحلته النهائية ويحقق أهدافه المرجوة، لابد من الحذر، واتقاء الوقوع في أخطاء أخرى قد تفقده ما تبقى من قيمته، وتشوِّه دوافعه النقية.التضحية في سبيل الوطن عمل سامٍ وشريف، فلا تشوِّهوا تضحيتكم ونضالكم بالتعالي على الناس الذين ضحَّيتم من أجلهم، ولا تُمنوا عليهم بما قمتم به، حتى لا يسأموكم، فلا داعي لكثرة ترديد أن المحكومين من خيرة شباب الوطن، وما إلى ذلك، وجعل البقية يشعرون بأنهم ليسوا كذلك، أو كأنكم تتفضَّلون وتُمنون عليهم فتخسرونهم. دعوا الآخرين يتكلمون عنكم، ويظل الفعل السامي سامياً بذاته، ويكفي القيام به لتنال الشرف، بغض النظر عمن تكون.
أما مسألة التلويح بأن سجنكم يهدد استقرار الوطن، فلم أستسغها، فكأنكم رهنتم استقرار وطنكم بشخوصكم، وهو أمر يناقض مسألة الاستقلال الوطني... هذا لو آمنا بصحة الربط، فإن كنا نرفض رهن القرار الوطني للخارج، فمن باب أولى ألا تقبلوا رهنه للداخل لأيٍّ كان، ولكم بالملف الرياضي أسوة سيئة. ومن جهة أخرى لا أجد أي مبرر منطقي لمقارنة حكم قضيتكم بحكم قضية خلية العبدلي، فهم مسجونون برفقتكم، ويشعرون بالظلم كذلك، وأنتم بفعلتكم تلك لم تستفيدوا إلا زيادة تقسيم الوطن الذي ناضلتم ودخلتم المعترك من أجله، وتخسرون بالطريق فئة كبيرة من المواطنين الذين لا يفرق بينكم وبينهم الدستور، ثم أظن، وليس كل الظن إثماً، أن الموقف سيكون محرجاً لكم أو لكثير من زملائكم بالحكم، لو فرضنا جدلاً أن أفراد خلية العبدلي، لا سمح الله، هم مَن اقتحموا المجلس حماية للبلد وتطهيره، وفق وجهة نظرهم، فجماعتكم ذاتهم مع ملاحقات حميد دشتي القضائية، وسحب جنسية ياسر الحبيب، ويستنكرون ذات الإجراءات على المقرَّبين منهم، ولا داعي لذكر الأمثلة المتنوعة، منعاً للإحراج. فأرجوكم لا تطهروا البلد من الفاسدين، وتملؤونه بالطائفيين، كما أن فتح باب المقارنات قد لا يكون في مصلحة قضيتكم العادلة الآن، فهناك مَن هو مسجون بسبب تغريدة يتيمة لمدد تفوق أحكامكم، وبسبب تحريض بعض المحكومين معكم بذات حكمكم ممن كنتم تطالبون معهم "بالحريات"، وتطهير المجلس، ورئيس الوزراء الشعبي. وبمناسبة هذا الطلب الأخير، فإني أجد أن المطالبة بالعفو أو محاولات الترويج له أو فرضه بقانون من قِبل مَن كانوا يطالبون برئيس الوزراء الشعبي تعتبر ردة كبيرة للخلف، ونكوصاً عن المبادئ التي خرجتم من أجلها، فإن جاء العفو دون طلب أو رجاء، فهنا الانتصار الحقيقي، فإن جاء أهلاً وسهلاً، وإن لم يأتِ فنحن لها. أما كثرة الاستعطافات الصحية والعائلية والمهنية استجلاباً للعفو، فهي برأيي أسوأ لكم ولصورتكم الصلبة من الاعتذار الذي ترفضونه، لذا فقبل أن نحذر السلطة أو مَن يدافع عنها أو المحايدين من حكم التاريخ عليهم، لابد أن نخشى حكمه علينا، فغاندي ومانديلا وجميلة بوحيرد، وغيرهم من المناضلين، استمدوا قيمتهم ورمزيتهم من ثباتهم، وشدة تمسُّكهم بمبادئهم وكلماتهم والتزامهم بها، وتحمُّلهم للسجن، والتضحيات في سبيلها حتى النهاية، فلا تجعلوا الأجيال الشابة القادمة يرون تراجعكم وانكساركم أمام أول اختبار حقيقي، فيفقدون ثقتهم بكم وبالتاريخ وبالنضال، وبكل تحرك وطني قادم، ولا تتناقضوا، فتجعلوا التاريخ يسجل عنكم... إنهم فتية آمنوا بربهم، فخرجوا ليأخذوا رئاسة الوزراء من الشيوخ، لكنهم عادوا مهرولين مع أول عقبة، لينتظروا العفو منهم.