في زيارة إلى العاصمة الإدارية الجديدة والوحدات السكنية التي افتتحها رئيس الجمهورية، وتحديدا من الوحدة التي ظهر منها رئيس الجمهورية انتابني شعور بعظمة الإنجاز وتقدير للجهود التي تتم من نهضة عمرانية وجودة التخطيط وسرعة الإنجاز وأهمية العمل في تخفيف العبء عن القاهرة، وهنا وجبت الإشادة بقيمة العمل. ذلك شعور عشته ليوم وليلة، وفِي نقاش مع صديقي رجل الأعمال رفيق الدرب والرحلة اتفقنا على أن هذا العمل كان يجب أن يكون نتيجة لا مقدمة، أي يكون بعد الإنتاج وفتح مصنع ومؤسسة ومنشأة... إلخ. لخلق جو استثماري وتنمية اقتصادية لا بناء وحدات سكنية، في ظل أن مصر فيها ما يقرب من مليون وحدة سكنية مغلقة! ورجعنا إلى العمل المؤسسي وضرورة أن تكون القاهرة أفضل، ويذهب الناس إلى الظهير الصحراوي، ولكن ماذا عن المواطن والشباب؟
في صباح اليوم التالي لزيارتي هذه ركبت مع سائقين: الأول أخذ يسرد لي معاناته اليومية ومشاكله ومرضه بشكل مفجع، وهو شاب ثلاثيني يعاني جلطات في القلب، ويحتاج إلى علاج ورعاية صحية، ولما نظرت إلى وجهه الشاحب الذي يبدو عليه الإنهاك قلت له: «حاول ترتاح»، فقال: وماذا عن الأولاد والمصاريف، الوضع صعب جدا يا أستاذ، شكلك مش عايش في مصر، نحن ضعنا لينا ربنا. فقلت له: لماذا فالبلد فيه مشاريع كثيرة وإنجاز. فقال: لمن؟ وسكت. فحاولت المساعدة فرفض لأن كرامته لم تسمح له!أما السائق الثاني فأوجعني وجعا يقطع القلب: «الظروف صعبة، أقسم بالله ما فطرت، أنا هربت من زوجتي بتتألم مش لاقي ثمن العلاج، استأصلت الطحال وتحتاج ٢٠٠ جنيه، وأنا محتاج علاج سكر، فنظرت إلى وجهه وهو الخمسيني وقد أسقط السكر أسنانه وجعله يبدو عليه سبعينيا، واستمر في السرد وشتم ولعن كل مسؤول، ويقول «حسبنا الله ونعم الوكيل»، ثم صمت، فقلت له: في مدينة جديدة والخير قادم! فقال: «خير إيه ومباني إيه، طيب يشوفوا المستشفيات»، فأسكتني ورجعت إلى علاج زوجته، وطلبت المساعدة فانهمر في البكاء وتوقف ورفض المساعدة.هذه المشاهد يشهد الله عليها وعلى صحتها، أضعها أمام كل مسؤول ومتخذ قرار، لأنني والله عشت لحظات متناقضة بين الفرح والألم، فدموع الرجل شعرت معها بالذنب وسكت، فهل للفقراء نصيب من الإنجاز مع العلم أن سعر الوحدة ما يقرب من مليون وثلاثمئة ألف جنيه؟ الله المستعان، وهذه مصر وشعبها بين الملايين والملاليم.
مقالات - اضافات
بين الملايين والملاليم
20-01-2018