هل أعاد ترامب توحيد الولايات المتحدة وكوبا؟
في دولٍ على غرار كوبا وفنزويلا، لا يؤدي الدعم المالي الروسي الى توسيع دائرة مصالح الأخيرة التجارية فحسب، بل يؤدي كذلك الى استمرار أنظمة لا تتماشى مع نموذج الديمقراطية الأميركية، وتفتح العزلة الأميركية الباب على مصراعيه أمام روسيا للتسلّل الى بقعٍ جغرافية هي قاب قوسين من ملعب أميركا.
الصداقة الأيديولوجية بين روسيا وكوبا انتهت تقنياً مع انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، ولكن حاجة كوبا إلى الاستثمار الأجنبي ومصالح روسيا النفطية أعادت الدفء الى العلاقات الجامدة بين حليفي الحرب الباردة، وأدّى تفضيل بوتين لترامب على رؤساء أميركا السابقين دوراً محورياً لدبلوماسية النفط بين روسيا وكوبا، وساهم موقف الإدارة الأميركية الانعزالي ومنطق "أميركا أولاً" بفتح الباب أمام روسيا لخدمة مصالحها الجيوستراتيجية جنوبي الحدود الأميركية، وأصبحت أميركا منطقةً مهمة اقتصادياً لدى روسيا في السنوات الأخيرة الماضية. وهكذا جذبت شركات الطاقة الحكومية الروسية- في دول مثل كوبا والمكسيك وفنزويلا والبرازيل والأرجنتين- الأعمال، ونما نفوذها في المنطقة، وساعدت سياسة "أميركا أولاً" التي انتهجها دونالد ترامب في نمو هذا النفوذ، فضلاً عن مواقفه الوطنية وخطاباته الاقتصادية والقومية التي غذّت الشعور المعادي لأميركا في أميركا اللاتينية. فقد أدّى تردد الولايات المتحدة بالالتزام مع كوبا وفنزويلا اقتصادياً إلى فتح الباب أمام روسيا لتقديم المساعدات المالية، وبالتالي تحقيق نفوذ استراتيجي لا يستهان به في تلك المنطقة، وبما أنّ الاقتصاد الفنزويلي تضرّر بفعل العقوبات الأميركية والعزلة الإقليمية، فإنّ الاستثمارات النفطية الروسية المتزايدة قدّمت لنظام مادورو موارد مهمة، وقد أعطى الكرملين الملايين من القروض لفنزويلا، ففي نوفمبر وافقت روسيا على إعادة هيكلة 3.15 مليارات دولار من القروض الفنزويلية.
ولعلّ أهم روابط روسيا الاقتصادية اليوم هي تلك المتعلقة بالصديق القديم كوبا، ففي الشهر المنصرم التقى القائد الكوبي راؤول كاسترو رئيس شركة النفط الحكومية "روزنفت" إيغور سيتشين، وتباحث الرجلان في إمكان وضع اتفاق بين البلدين يسمح لروسيا بتوسيع نشاطاتها في كوبا، وبالفعل بدأت الشركة شحن النفط الى كوبا منذ مايو 2017. وتخطّط روسيا لزيادة استثماراتها في هذا المجال في المنطقة، وزادت الصادرات الروسية الى كوبا بنسبة 81% السنة الماضية وثمة مشروع لبناء سكة حديد لقطار فائق السرعة بين هافانا وبلدة فاراديرو. لا يمكن فصل هذا الانفتاح بين كوبا وروسيا عن السياسة العامة، فحين دعمت روسيا انتخاب دونالد ترامب- (وكان دونالد ترامب يتحدّث دوماً عن علاقته المميزة مع قائد الكرملين)- ما كانت كوبا لتخطر على بال أحد، ولكن شعار الرئيس الأميركي "أميركا أولاً" همّش جيرانها في الجنوب وسمح لروسيا بالتسلّل الى الأميركتيْن استراتيجياً عبر مشاريعها الاقتصادية. وفي نوفمبر فرض البيت الأبيض عقوباتٍ على كوبا في مجاليْ التجارة والسفر، وقد سار ترامب عكس سياسة التساهل التي انتهجها أوباما مع كوبا، فعرقل بخطوته هذه أعمال عددٍ كبير من الأميركيين الباحثين عن فرصٍ في كوبا، وحرم في الوقت عينه الشركاء الكوبيين من الرساميل الأميركية. على مرّ التاريخ كانت روسيا دوماً سلطةً عظمى، وليس سراً أن بوتين ينظر إلى بلاده من هذا المنظار، ولتعزيز صورتها عالمياً تسعى روسيا بكلّ جوارحها الى الإبقاء على نظامٍ عالمي متعدّد الأطراف تؤدي فيه هي دوراً مفصلياً. وليس الدور هذا إلا نتيجة مباشرة لتراجع الدور الأميركي عالمياً وانحسار دورها الأخلاقي بترويج قيم الغرب الديمقراطية، وطبعاً ترغب روسيا في تقويض هذه القيم وتحجيمها أمام الدول الأخرى. ففي دولٍ على غرار كوبا وفنزويلا، لا يؤدي الدعم المالي الروسي الى توسيع دائرة مصالح الأخيرة التجارية فحسب، بل يؤدي هذا الدعم كذلك الى استمرار أنظمة لا تتماشى مع نموذج الديمقراطية الأميركية، وتفتح العزلة الأميركية الباب على مصراعيه أمام روسيا للتسلّل الى بقعٍ جغرافية هي قاب قوسين من ملعب أميركا.* «رادينغتون ربورت»