خبيصة الخدم
وقّف الرئيس الفلبيني الدولة الكويتية على رأسها، بمجرد إعلانه نيته منع إرسال العمالة الفلبينية (الأغلبية إناث خدم منازل) للكويت، فهو يرى أن هناك انتهاكات تتعرض لها العمالة الفلبينية بالدولة، من اعتداءات جنسية إلى حالات انتحار من شدة يأسها. وسارعت وزارة الخارجية الكويتية للقيام بدور المحامي الحريص، للدفاع عن اسم وسمعة الكويت، أو بتعبير أدق سمعة أرباب العمل من المخدومين الكويتيين، وقرر وكيل الوزارة أن العمالة الفلبينية تتجاوز 170 ألفاً، وأن الحالات الأربع التي تحدث عنها الرئيس "دوتيرتي" لا يمكن القياس عليها! دفاع يقرر الحقيقة أم يهرب منها؟ هذه مسألة قابلة للنقاش (يبدو أن جناب الوكيل لم يحسب عدد حالات انتحار عمال بنغاليين وغيرهم).الدولة كما يظهر من مانشيتات جرائدها "انخبصت"، وكأن هناك اعتداء رهيباً وقع على سيادتها، مع أن الرئيس الفلبيني لم يقل جديداً، ولم تكن هذه المرة الأولى التي تهدد فيها الفلبين، وقبلها بسنوات، حسب ما أذكر، الهند أيضاً هددت أو منعت إرسال عمالة (خدم المنازل) للكويت.
القضية ليست بسيطة، فمن منا يتخيل منزلاً كويتياً دون خادمة فلبينية أو هندية أو سيلانية أو إندونيسية أو إثيوبية؟! وتتدرج جنسية الخادمة حسب التدرج الطبقي والدخل المالي للمنزل المخدوم. في أعلى السلم الخدمي هناك الفلبينية الأغلى والأفضل لغة أجنبية، ثم نزولاً للأسفل الطبقي حتى الإثيوبية الإفريقية الأرخص تكلفة وأقل مطالبة بحقوقها... كم سيكون من الصعب أن تسير أمور منزل كويتي (بصورة مجملة) دون شريان هذا العمل "الرث"، ولكنه أيضاً حيوي فرضه الواقع الريعي النفطي، في اتكالية شبه مطلقة على عمل الوافد (هو الوافد ذاته الذي يتعرض الآن لأعظم محنة اضطهاد من النائبة صفاء الهاشم)؟ كيف لنا أن نتصور بيتا دون خدم، وبيوتنا بنيت أساساً حسب قواعد الحداثة المشوهة، لتتناسب مع حتمية وجود خادم في المنزل (غرفة خدامة... غرفة أو أكثر لسائق أو طباخ أو طباخة)... مساحات كبيرة في فلل كبيرة قبيحة، لا يمكن تصور العناية بها دون العامل الأجير (الخادم)! كان أولى بوزارة الخارجية أن تصمت وتنقل رسالة تهديد الرئيس الفلبيني لحكومتها ومجلس نوابها الشكلي، حتى يخرج تشريع حقيقي يحمي حقوق العمالة المنزلية، ويوفر ضمانات لها، بدلاً من القانون 68 لسنة 2015 الأراجوزي، الذي شُرع لذر الرماد في الأعين، وكي يقال إن هناك قانوناً يحمي العمالة المنزلية، بينما هو مسخ لا يقدم ولا يؤخر.لنقرّ هنا في الكويت، أو أي دولة على شاكلتها، قامت حضارتها الأسمنتية على عمل الوافدين، بأننا ننتهك حقوق العمال الأجانب، والخدم تحديداً، وأن الانتهاكات أخذت تشرع رسمياً عبر مجلس نواب وحكومات تتسابق فيما بينها على استرضاءات شعبوية، وأن أمور هذه العمالة تسير نحو الأسوأ، مع تناقص مداخيل النفط (الريع). ستكون لحظة عظيمة، لو أعلنت كل الدول الآسيوية والإفريقية حرمان دولنا من عمالتها، دعونا نشاهد عندها المستأسدين على الوافدين ماذا سيصنعون... ماذا ستفعلون؟ هل ستستقدمون خدماً وعمالاً من ألمانيا والدنمارك، فهم "لا يوسخون الديرة"، أم ماذا؟!