يشير تجديد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون طلبه من أنقرة الامتناع عن أي عملية عسكرية ضد الأكراد في منطقة عفرين، إلى تصاعد الدور الذي بدأ يتولاه تيلرسون شخصياً في إدارة ملف الأزمة السورية.وأكد مصدر سياسي مطلع في واشنطن أن ما وصف بالاستراتيجية الجديدة في سورية، التي أعلنها تيلرسون قبل يومين، لا يختلف عملياً عما أعلنه وزير الدفاع جيم ماتيس قبل أكثر من شهر، لكن المتغير الرئيسي فيها هو إعلان تيلرسون أنه لا عودة لتكرار الخطأ الذي ارتكبته واشنطن بالعراق، ما سمح للإرهاب ونفوذ إيران فيه بالتمدد نحو سورية أيضاً.
وكشف المصدر أن الاجتماع الخماسي، الذي عقد في واشنطن قبل أيام، وحضره ممثلون عن فرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن، وكُشف عنه أخيراً، جاء نتيجة جهود تولتها وزارة الخارجية الأميركية، في وقت تخوض واشنطن حوارات دبلوماسية في نيويورك، استعداداً لإطلاق آلية سياسية ومرجعية دولية وإقليمية موازية للجهود التي تقوم بها روسيا، والتي تشكك واشنطن في قدرتها على إنتاج حل سياسي دائم في سورية.وأوضح أن واشنطن لا ترغب في تحويل خلافها المتعمق يوماً بعد يوم مع تركيا، حليفتها في الناتو، إلى أزمة عميقة، لكنها لا ترى مخرجاً من الضغوط التي تمارسها أنقرة ضد الأكراد، إلا عبر إصرارها على ضرورة توسيع دائرة تعاونها مع حلفاء آخرين، لموازنة «التحالف» الموضوعي القائم بين أنقرة وموسكو وطهران، إقليمياً وداخل سورية، وتعزيز الحماية للقوى المتحالفة معها، وإدخال عناصر إقليمية وازنة في تلك المعادلة.ميدانياً، لا قوى مسلحة تطمئن إليها واشنطن سوى الأكراد، وبالتالي فإن أي حديث عن عمل دبلوماسي وحضور سياسي في شمال سورية وشرقها، من دون تأمين الغطاء العسكري له، يصبح شعاراً فارغاً.
ويرى المصدر أن واشنطن، التي تحاذر الظهور بمظهر المتصادم مع تركيا، لا تنقصها الأدوات للرد على أي استفزاز تركي للقوات التي تدعمها، ولو بشكل غير مباشر.ونفى ما اعتبر تراجعاً أو تخفيفاً أميركياً لدور القوات الأمنية التي ستدربها في تلك المناطق، عندما حاول البنتاغون الفصل بين «قوات سورية الديمقراطية» (قسد) و«وحدات حماية الشعب الكردية» في عفرين، بأن الأخيرة لم تشارك في الحرب ضد داعش. فقوات «قسد» هي في الأصل، ولا تزال، من تلك الوحدات، وصور عبدالله أوجلان هي أول ما رُفع في دوار مدينة الرقة بعد تحريرها من «داعش» على يد «قسد».وبحسب تقديرات عسكرية أميركية، هناك نحو 90 ألف مقاتل كردي يحتشدون في منطقة عفرين، التي تبلغ مساحتها نحو 4000 كيلومتر مربع، والمكونة من شريط جبلي وممر نهري، فضلاً عن مئات القرى، ولديهم إمكانات هائلة لخوض حرب استنزاف طويلة المدى. وذكر المصدر أن واشنطن باتت أكثر وضوحاً في موقفها تجاه مستقبل سورية، وأبلغت أنقرة أن مصلحتها لا تكمن في تحالفها مع طهران، التي ستشهد العلاقات معها مزيداً من التوتر والضغوط، في وقت تعتبر واشنطن أن حليفها الكردي هو القوة الرئيسية التي ستفرض إغلاق الحدود العراقية السورية أمام طهران.وبينما أكدت رئاسة الأركان التركية انطلاق العملية العسكرية في مدينة عفرين بدءاً من الساعة الخامسة من مساء أمس، تحت اسم «عملية غصن الزيتون»، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إبلاغ دمشق كتابياً بانطلاقها.وقبل أن تدخل فصائل من الجيش السوري الحرّ، الموالي لأنقرة، الحدود الإدارية للمدينة، شنّت طائرات تركية ضربات جوية على مواقع وحدات حماية الشعب الكردية وذراعها السياسية حزب «الاتحاد الديمقراطي»، دون أن تتعرض لها الدفاعات الجوية الروسية أو السورية، التي سبق أن توعدت بالتصدي لأي هجوم.