نشرت الصحف القطرية نتائج آخر دراسة مسحية للبحث العلمي والتطوير، قامت بها إدارة الإحصاءات السكانية والاجتماعية بوزارة التخطيط التنموي والإحصاء في قطر، وطبقا للدراسة التي تعد أكبر دراسة مسحية فإن الدولة خصصت نحو 2.8% من إيراداتها لدعم مشاريع البحث والتطوير، وهو ما يعكس التزام الدولة بتطوير هذا المجال واهتمامها الكبير به.وتشير التقارير إلى أن دول مجلس التعاون تنفق مبالغ فلكية على البحث العلمي والتطوير وتشييد مراكز البحوث، والمدن العلمية والاقتصادية، والتعليم العام والعالي، ونقل المعرفة، وكان من نتائجها: تزايد عدد الباحثين والخبراء، وزيادة البحوث العلمية المنشورة إلى 100 ألف ورقة علمية، طبقاً للدكتورة موزة الربان، رئيسة منظمة المجتمع العلمي العربي. في المقابل يرى كثير من الباحثين أن الإنفاق البحثي الخليجي متدنّ، لا يتجاوز (1%) من الناتج القومي، في أفضل حالاته، وهي نسبة متواضعة، مقارنة بالدول المتقدمة (2-3%) وتعد المعوق الأساس لازدهار البحث العلمي الخليجي.
التساؤلات المطروحة: هل الإنفاق البحثي الخليجي متواضع؟ وهل هو المعوق لتقدم البحث العلمي الخليجي؟والجواب: أن الإنفاق البحثي الخليجي غير متواضع، ولا أتفق مع هؤلاء الباحثين لسببين:1- أنهم اعتمدوا على إحصاءات قديمة وغير دقيقة، ومن يرصد الساحة الخليجية اليوم يجد تسابقاً متزايداً بين دول المجلس في رصد الميزانيات الضخمة للبحوث العلمية والجامعات والمؤسسات التعليمية والمراكز البحثية وإنشاء المدن العلمية والإنفاق في مجالات العلوم والابتكار والتكنولوجيا وأبحاث الفضاء والطيران وتطوير المناهج واحتضان الكفاءات والأدمغة المهاجرة، وقد تصل نسبة الإنفاق البحثي الخليجي إلى أكثر من (2%) من الناتج القومي الخليجي.2- ليس التمويل هو المعوق إنما الاختلالات البنيوية العميقة الكامنة في تركيبة مجتمعنا الخليجي والعربي منها: أولاً: تضخم الكم على حساب الكيف: هناك على المستوى الخليجي أكثر من 100 ألف بحث علمي منشور، وعلى المستوى العربي أكثر من مليون ورقة علمية منشورة، ما أكثرها ولكن ما أقل جدواها وفائدتها!! لهذا تتساءل د. موزة الربان: ما دور هذه البحوث في مشاريع التنمية والبنية التحتية؟! وتضيف: البحوث العلمية، لا تؤتي ثمارها إن لم ترتبط بخدمة المجتمع والاقتصاد، ولن يكون الاستثمار فيها مفيداً إلا إذا خرجت من صوامع المختبرات إلى التطبيق في مجالات التصنيع والتجارة والإنتاج الزراعي والحيواني، وتحقيق الأمن الصحي والبيئي والمائي والغذائي والدفاعي، والطاقة، وبناء القدرات الوطنية، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز استقلالية القرار، والتغيير الاجتماعي، والفكر النقدي. فالبحوث العلمية في تزايد لكنها لا تساهم في حلول للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والفكرية للمجتمع الخليجي.ثانياً: البيئة الاجتماعية: ازدهار البحث العلمي يتطلب بيئة اجتماعية تؤمن بأهمية البحث العلمي ركيزة للتقدم والتطور والإنتاج، وتجعله أولوية عليا في سلم اهتماماتها، وتراهن عليه في السباق المستقبلي، وهذا مشروط بتوافر مناخ علمي، يملك فيه الباحث الحرية الأكاديمية والنزاهة العلمية، والاستقلال الفكري، ولا يقيد الباحث بسلسلة من التابوهات المعوقة للإبداع والابتكار، كما يتطلب بيئة جاذبة وحاضنة للأدمغة العلمية المواطنة والمهاجرة توفر الأمن والكرامة والحرية الفكرية، وإذا استثنينا الخليج، فإن المنطقة العربية مازالت أكثر منطقة طاردة لعلمائها، وما زالت أكبر نسبة مهاجرين تخرج منها بسبب الصراعات والقمع والفوضى وانعدام الأمن والكرامة الإنسانية.ثالثاً: المجتمع الخليجي: مجتمع ريعي يأتيه رزقه رغداً، تعود على مكرمات الريع، واستكان على مغانمه، واتكل على المنح والهبات والعطايا، وألف ثقافة الاستهلاك البذخي، يصعب فيه انتشار ثقافة عقلانية علمية، بديلا عن ثقافة ريعية اتكالية، لذلك تجد حكوماتنا صعوبات لتغيير "اقتصاد الريع" إلى "اقتصاد المعرفة" إلا عبر "هندسة اجتماعية جديدة" كما يسميها الدكتور الرميحي، إن اعتياد النمط الريعي ونجاحه، شكلا معوقاً أمام إشاعة الروح العلمية والإصلاحات، كما أن الثقافة الريعية والمال الريعي أجلا حسم قضايا اجتماعية وسياسية.رابعاً: افتقاد التعاون البحثي الخليجي: وطبقاً للربان، أنه رغم تشابه دول المجلس في احتياجاتها وظروفها ومشاكلها، كالمياه والطاقة والمناخ والأمن الغذائي فإنها تفتقد التنسيق في خطة استراتيجية علمية موحدة، بل إن التنسيق مفتقد حتى بين المراكز البحثية الخليجية، وتعد عمليات البحث العلمي، مجرد جهد فردي، فضلا عن تكرار بحوث بعيدة عن قضايا المجتمع الخليجي. * كاتب قطري
مقالات
البحث العلمي الخليجي... هل التمويل هو المعوق؟!
22-01-2018