وجهة نظر : الثلاث الكُبرى في الجهاز الحكومي الكويتي
أطلق اليابانيون في النصف الثاني من القرن الماضي تعبير «الثلاث الكُبرى» على المُشكلات الرئيسية التي يواجهها مَن يتصدّر لعملية تحسين إجراءات العمل في المصانع. هذه الثلاث الكُبرى هي: 1 - اللامعقولية 2 - الهدر 3 - اللاانضباط.فاللامعقولية هي القيام بأنشطة لا معنى ولا منطق لها؛ وجدت طريقها إلى سياسات وإجراءات العمل بوراثتها عن أجيال سابقة، ورُبما كان استحداثها هو استجابة لظروف وأسباب كانت قائمة لم تعد موجودة في الوضع الراهن، أو أن وجودها وممارستها أصبحا عرفاً لا يعرف سببه أحد! ولرُبما اكتشاف هذا النوع من اللامعقولية في الأنشطة، يحتاج إلى نظرة جديدة من شخص حديث التعيين أو موظف من إدارة أُخرى، لا علم له ولم يمارس تلك الأنشطة!
وكأمثلة على اللامعقولية، إليكم بعضاً من تجاربي:في معاملة تجديد اعتماد التوقيع، لماذا تطلب الهيئة العامة للقوى العاملة من المُراجعين إحضار شهادة الرقم المدني من الهيئة العامة للمعلومات المدنية، رغم أنها مرتبطة معها إلكترونياً ويمكنها الوصول إلى المعلومة التي تُريدها بسهولة، وفي نفس الوقت تُجنب المراجع العناء.وفي معاملة استخراج شهادة الإعفاء الضريبي، لماذا تطلب وزارة المالية استكمال نموذج على آلة طابعة، رغم ولوجنا العصر الرقمي الذي لم يعد فيه لمثل هذه الآلة مكاناً؟ ولماذا تطلب إعداد كتاب مُنفصل بطلب استخراج الشهادة موجه لوكيل وزارة المالية رغم أن نموذج الطلب يُعبر عن ذلك صراحة، وهو أيضاً ممهور بتوقيع مُقدم الطلب؟ ولماذا يتطلب إنجاز هذه المُعاملة انتقال المُراجع بين المبنيين 12 و13 في مُجمع الوزارات؟هذه وغيرها من تساؤلات رُبما تُنبئ عن مُمارسات في الجهاز الحكومي لم تعد معقولة مع توفّر تقنيات الاتصال والبرمجيات الذكية التي تُتيح معلومات ومعارف من الصعب تخيلها فيما مضى. أما الهدر، فهو النشاط الذي لا يُضيف قيمة للعمل أو يتسبب في تأخير إنجاز العمل. فإذا أمكن إنجاز الخدمة في ثلاث خطوات عوضاً عن خمس، فذلك يُعتبر تقليلاً للهدر. أو كما يُقال أحياناً، إننا في ذلك قد قللنا «الدهن» في العمل أو جعلنا الإجراء أكثر انسيابية أو رشاقة. وقد برع اليابانيون في استحداث الوسائل لاكتشاف الهدر والقضاء عليه.ما سقناه سابقاً من أمثلة في حديثنا عن اللامعقولية، يعكس بالضرورة هدراً لجهد ووقت المُراجع ومُقدم الخدمة وموارد الدولة على حد سواء. فما الذي يمنع من استخراج شهادات الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية والهيئة العامة للمعلومات المدنية وغيرها من المعاملات إلكترونياً، بحيث يتمكن صاحب العمل من إنجاز معاملاته ودفع الرسوم المطلوبة إلكترونياً من مكتبه؟ أما مُعاملة شهادة سداد الاشتراكات الخاصة بالمؤسسات من الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، فهي مثال آخر صارخ على الهدر، ففيها يتحرك المُراجع بين مكاتب ومباني الهيئة بشكل يصعب وصفه! والأدهى هو أن صلاحية هذه الشهادة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، مما يُجبر صاحب العمل على أن يشد الرحال لإنجاز هذه المُعاملة أربع مرات كل سنة.أما ثالث «الثلاث الكُبرى» فهو عدم الانضباط، وله ثلاثة أسباب؛ السبب الأول هو عدم وجود إجراءات عمل معيارية يسترشد بها الموظف عند تقديم الخدمة، والثاني هو عدم توفير التدريب الفعال للموظف، مما يؤثر على فعاليته وكفاءته في إنجاز المهام المطلوبة منه، أما السبب الثالث فهو عدم اكتراث الموظف وإهماله في عمله. أختم مقالتي بنصيحتين تعكسان تجربتي مع الجهاز الحكومي كصاحب عمل لما يزيد على عقد من الزمان:1 - حافظ دائماً على إيجابيتك وابتسامتك وأنت تُنجز مُعاملتك.2 - لا تؤجل أو تؤخر مُعاملتك مهما واجهتك من صعاب.* أستاذ الهندسة الصناعية والنظم الإدارية