استقرار العراق وازدهاره لا شك أنه يصب في مصلحة المنطقة وتحقيق منظومة الأمن الجماعي وعودة التوازن الإقليمي، فهذا البلد نال نصيبه وأكثر من الويلات والحروب ببعديها الداخلي والخارجي، لدرجة يمكن القول إنه دمّر تماماً وتحولت أرض الرافدين إلى أشلاء ضاعت فيها قوة العراق ومركزيته في العمق العربي، كما أن الكثير من مصائب العراق كانت عبارة عن فواتير لفتن وصراعات خارجية على أرضه ودفع الشعب العراقي المغلوب على أمره ثمناً باهظاً لذلك.آخر تلك الحروب كانت ضد "داعش" بكل غموضه وتعقيداته ومجازره وتنوعه الذي شمل عشرات الجنسيات، وبتمويل ودعم من العديد من الحكومات، وللأمانة فقد ضحى العراقيون بدماء شبابهم بشكل يفوق الوصف، ليس فقط دفاعاً عن أنفسهم بل نيابة عن الجميع، حيث بلغ الجشع الداعشي حد التبجح بالتهديد لابتلاع دول الخليج قاطبة.
أمام هذه الحقائق يعترض البعض على مبادرة الكويت لمشروع إعادة إعمار العراق لأسباب عديدة، لعل أولها أن بلدنا أولى بالتنمية بعد سنوات طويلة عجاف لا سيما في وقت وصلنا فيه إلى الاقتراض لسد العجز بسبب تراجع أسعار النفط، كما قد يعني احتضان الكويت لهذا المؤتمر تقديم بعض التنازلات المالية وإسقاط الديون والتعويضات التي أقرها مجلس الأمن الدولي على جريمة الغزو العراقي عام 1990.ويضيف البعض بأن من أهم أسباب المآسي في العراق الفساد الكبير الذي يعانيه هذا البلد، وضياع المليارات من الدولارات في جيوب المسؤولين وتضخم أرصدتهم على حساب بناء بلدهم وإنقاذ شعبهم الذي بات يعاني الافتقار إلى أبسط أنواع البنية التحتية والخدمات العامة، وبالتالي فإن بوابة الإعمار تتمثل بالإصلاح السياسي ومكافحة الفساد وتطوير كفاءة الجهاز الإداري في هذا البلد الذي يزخر بالثروات بكل أنواعها، وبالعقول واليد العاملة والكثافة البشرية بدلاً من الاعتماد على الآخر.إزاء هذه الآراء المتناقضة كيف يمكن الحكم على مشروع إعادة الإعمار في العراق، خصوصاً أن هناك العديد من المشاريع المشابهة التي أثمرت نتائج باهرة ليس على الصعيد الاقتصادي فحسب، بل على صعيد كسب الاستقرار والأمن الدوليين كذلك، كما هي الحال في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية وإعادة إعمار أوروبا الشرقية بعد الحرب الباردة، ولكن تبقى هناك متطلبات لهذا النجاح وفي مقدمتها المظلة السياسية النزيهة والمقتدرة.إضافة إلى ذلك، فإن رعاية الكويت لمبادرة إعادة إعمار العراق لا تعني بالضرورة دفع الأموال فحسب، فمثل هذا المشروع بحاجة إلى تجاوب الدول المعنية، خصوصا الخليجية منها، والأهم من ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حيث عشرات المليارات من أموال العراقيين إما محجوزة لديهم أو "شفطوها" عبر سنوات بعد زوال نظام صدام حسين، كما يجب أن يستثمر مثل هذا المشروع الضخم والاستفادة من عوائده وفق مبدأ الشراكة الاقتصادية والاعتماد المتبادل، وبالتأكيد في مثل هذه الحالة نحتاج الإصلاح السياسي ذاته والنزاهة نفسها التي نطالب العراقيين بتحقيقها!
مقالات
إعادة إعمار العراق!
23-01-2018