أقيمت منارة الفنان التشكيلي الراحل حميد خزعل على مسرح مكتبة الكويت الوطنية، حيث سلطت الضوء على مسيرته الفنية الحافلة التي كوَّنها الفنان، بلوحاته وكتابته النقدية الثرية في المجال التشكيلي. وشهدت الاحتفالية حضوراً كثيفاً، تقدَّمه الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب محمد العسعوسي، إلى جانب أقرباء الراحل. وحاضر في المنارة الفنان فاضل العبار، ود. عبدالله الحداد، وأدارتها د. سعاد الحمر.
في البداية، قالت د. سعاد الحمر إن "بصمات الفنان حميد خزعل واضحة في الفن والتصوير، وعشقه للتراث، وللكويت، ولوحاته تعبِّر عن اللاواقع والواقع بالوقت نفسه"، مشيرة إلى أن "خزعل يُعد أيقونة، وهو الفن بذاته".
عنصر الإنسان
بدوره، قدَّم د. عبدالله الحداد ورقة بعنوان "الفنان التشكيلي... الراحل حميد خزعل"، أوضح فيها أن خزعل كان يبتعد عن التشخيص، ويحاول التأثير في فكر المشاهد، باستخدامات الإنسان، وجسد البدلة والدشداشة، لتبيان عنصر الإنسان. وأضاف: "في لوحات حكايات شهرزاد اختار الفنان الرموز وصاغها تشكيليا بطريقة رمزية تجريدية، بحيث لا تفقد معناها، كما جاء بالقصة. فالطيور والحيوانات صاغها بشكلها غير الواقعي، لكن احتفظ بالصفات للطائر أو الحيوان. وعندما يكوِّن لوحة، فهو يحاول أن يوجز التكوين، فهو يصوغها بأقل العناصر، ويكتفي بعنصر واحد أو اثنين، ويستغل معالجة المساحة في إبراز هذا العنصر".وتابع: "كان اختياره لألوان الخلفيات يعتمد على اللون المحايد في أغلب الأعمال، ومن ثم قام بتلوين بعض خلفيات الأعمال بألوان، مثل: الأصفر، والأبيض المائل إلى البيج، أو الألوان الداكنة ذات العائلة الحارة إذا كان العنصر باللون البارد الأزرق مثلا".وأكد د. الحداد أن "خزعل لم تسيطر عليه الثقافة التي اكتسبها من خلال دراسته في مصر، ولم تظهر في أسلوبه الذي انتهجه بحياته الفنية، لكنه برز بأسلوب خاص به، ينتمي إلى السريالية مدموجة بالتجريدية، ومغلَّفة بالرمزية، وهذا ما يصعب على بعض الفنانين التشكيليين".جرأة
من جانبه، قدَّم الفنان فاضل العبار ورقة عن "الجانب الشخصي والاجتماعي للفنان التشكيلي الراحل حميد خزعل". وأشار إلى أنه قابل خزعل أول مرة عام 1985 بالجمعية الكويتية للفنون التشكيلية عندما عاد ليمارس الفن التشكيلي عدة سنوات، بعدما توقف عن ممارسة الفن بسبب انشغاله. وأوضح أنه نظَّم مع الراحل جلسات أسبوعية كثيرة بجهوده الخاصة "لنجمع عددا لا بأس به من الفنانين التشكيليين الكويتيين والعرب بشكل عام في المقاهي بأنحاء الكويت، لتبادل الآراء، ليس في الفنون فقط، بل في مواضيع أخرى متنوعة، لإثراء الجلسات الأسبوعية".وأكد العبار أن "خزعل هو فعلا فنان تشكيلي ومجتهد، ومطّلع بجميع مجالات الفنون التشكيلية، كما قام بأعمال النحت في إعادة استخدام المواد والخامات بأفكار مختلفة، ولديه الجرأة وحب الاطلاع على مختلف الأعمال الفنية في العالم، ما انعكس على حصيلة أعماله الفنية المتنوعة التي حصل على جوائز فنية، فضلا عن إعجاب الجمهور".وأضاف: "اهتم الفنان خزعل، قبل وفاته بعدة سنوات، بتأليف وإخراج كتب فنية عديدة عن بعض الفنانين الكويتيين في مجال الفن التشكيلي عن طريق المجلس الوطني للثقافة، وتم طبع العديد من الكتب التي كان خزعل هو الأساس في تأليفها وطباعتها، مثل: التراث في الفن التشكيلي الكويتي، وأوراق تشكيلية كويتية، وغيرها من الكتب الفنية التي كان في طريقه إلى تأليفها، لكن الوقت لم يسعفه لإنجازها". من جانب آخر، بيَّن العبار أنه من كثرة حب والتزام خزعل بالفنون بشكل عام تم استدعاؤه للمشاركة في مؤتمرات وورش ومعارض دولية، لأنه أصبح فنانا معروفا دوليا.فيلم ومعرض
وتضمنت المنارة معرضا للفنان الراحل عُرضت فيه مجموعة من لوحاته التشكيلية، وأيضا معرضا للصور الفوتوغرافية، وفيلما وثائقيا تحدث فيه نجله د. فيصل، والفنان التشكيلي محمد الفارسي، وأيضا مدير غاليري بوشهري يحيى سويلم. وقال نجله د. فيصل: "دعونا نتكلم عن حميد الصديق، وليس الوالد، حتى لا تختلط المشاعر الإنسانية في الحديث عن تاريخه. عاصرت هذا الإنسان فترات حياته كلها، وكانت بيننا قصص، لذلك رأيته في كل مراحله، في بداياته. كانت الأعمال تأخذ شهورا، ويمكن أن تطول لسنة"، لافتا إلى أن والده كان طيبا لأبعد الحدود، وشديد التحمُّل. من جانبه، قال الفارسي: "حميد خزعل كان له طابع معيَّن، وله طريقة في الفن التشكيلي، أو ممارسته لعمله الفني، حيث كانت طريقة مختلفة ومتميزة، فقد كانت بعض العناصر المستخدمة في لوحاته بها من الواقع القليل، وأيضا تتضمن جانبا سرياليا، وفي آخر معرض له في (بوشهري غاليري)، سيرى المتلقي أن هناك (ستايل) معينا ومحددا للفنان خزعل". أما مدير "غاليري بوشهري"، يحيى سويلم، فقال: "رحم الله حميد خزغل، فقد أنار لنا الحركة التشكيلية، وتميَّز فيها".مداخلات
وفي المداخلات بالمنارة، تحدث الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة في المجلس الوطني للثقافة محمد العسعوسي، قائلا: "الفنان حميد خزعل أعطى الكثير لوطنه، ويستحق أن يكون منارة يحتفى بها خلال الدورة الـ 24 لمهرجان القرين الثقافي".وأضاف: "عطاءات خزعل متنوعة على الصعيد الإلكتروني، حيث كان أول من أنشأ جريدة إلكترونية بعنوان (التشكيلي)، أيضا ساهم في تقديم إبداعاته، ورفد المكتبة التشكيلية بمجموعة من الأعمال التي وثق فيها جهود أقرانه من الفنانين التشكيليين، وفاز بجائزة النحت ضمن جائزة الدولة التشجيعية، وفاز أيضا بجائزة المبدعين التي كانت على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي".وتابع: "كل هذه الرحلة الطويلة للفنان خزعل استحق عليها أن يكون منارة من منارات حركة الإبداع في الكويت". من جانبه، قال الكاتب خالد العبدالمغني: "إذا تتبعنا مسيرة عطاء الفنان خزعل، فسوف نجد هنا قيدين كبَّلا مسيرته الإبداعية؛ الأول: ارتباطه بالعمل النقابي لفترة امتدت 17 عاما، حيث كبَّله التزامه بالشأن الإداري في جمعية الفنون التشكيلية من ممارسة الرسم، وشغلته التجاذبات النقابية عن بناء شخصيته التشكيلية، ما انعكس على عطائه الإبداعي، وفي تقليص نشاطه التشكيلي لمصلحة النشاط النقابي". وأردف: "أما القيد الثاني، فجاء المرض على غفلة منه، وأنقضَّ عليه، بعد أن تفرغ للرسم، وتعلَّق بالنحت، واستكان للكتابة النقدية". أما الفنان التشكيلي علي العوض، فذكر أنه عرف خزعل عندما كان أمين سر جمعية الفنون التشكيلية، مشيرا إلى أنه كان لو دور كبير جدا في احتواء الفنانين الشباب، ودعوتهم للحضور بالجمعية آنذاك.