روسيا وحدود القوة
![جيوبوليتيكال فيوتشرز](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1613329059393046100/1613329075000/1280x960.jpg)
درست روسيا خياراتها في البلقان بدقة، فتقرّبت من الصرب المستائين من صعود نجم الألبان في كوسوفو تحديداً وفي المنطقة عموماً، واتُّخذ قرار مقدونيا بالاعتراف باللغة الألبانية كلغةٍ رسمية لإدارة الواقع في الداخل، وللتخفيف من استياء ألبانيا في الوقت عينه، وقد دعم رئيس الوزراء المقدوني زوران زائيف، الذي وصل الى السلطة بمساعدة شركائه الألبان، إدراج الألبانية كلغةٍ رسميةٍ ثانية في البلاد، وقدّم زائيف دعمه طمعاً بشمل الألبان في المسألة المقدونية ولتسريع انضمام مقدونيا الى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ومع أنّ الرئيس المقدوني خورخي إيفانوف نقض القرار بعد أسبوع، إلا أنّ الميل العام بدعم ألبانيا ما زال ساري المفعول. وفي ظروفٍ أخرى ما كانت تلك المسألة لتثير اهتمام روسيا، ولكن بما أنّ الصرب قلقون حيالها، كان على روسيا اتخاذ موقفٍ حاسم مندّدةً بقرار مقدونيا، فثمة وضعٌ مشابه في تركيا، وقد تدخّل الروس في روسيا لضمان استمرار نظام بشار الأسد، ولم يكن الأمر ذا أهمية استراتيجية لروسيا، ولكنها بدت طريقةً خفيفة الأضرار لإثبات قوّتها وجبروتها في المنطقة، وقد أدى تطور الأحداث في سورية الى تدخّل الأتراك ضدّ الأكراد، وتريد روسيا الحفاظ على علاقاتٍ طيبة مع تركيا رغم عدائية الأخيرة للأسد، وليس لديها أي اهتمام بدعم أحلام كردية في المنطقة. وقد هدّدت الحكومة السورية باعتراض الطائرات التركية التي تحلّق فوق أراضيها، فسافر رئيس المخابرات التركية الى موسكو لمعالجة الأمر معها، مما يضع روسيا في موقفٍ صعب، بما أنّ الأتراك سيحمّلونها مسؤولية أيّ تهوّر سوري. كل هذه المسائل التي ذكرناها آنفاً: القواعد العسكرية في بيلاروسيا، تشريع اللغة الألبانية في مقدونيا، والمجال الجوي السوري، كل هذه القضايا ما كانت لتنال أيّ اهتمامٍ من روسيا قبل عام 2014. تختبر روسيا اليوم ما يختبره الأميركيون دوماً، من محاولاتٍ لحلّ مشاكل ليست في صلب اهتمامها الحقيقيّ لحماية سياستها الخارجية، ولعلّ الفارق الوحيد بينهما هو حسن الإدارة الروسية لقوّتها مع أنّ عمق هذه القوة ليس كبيراً، وروسيا على غرار الولايات المتحدة تختبر اليوم حدود القوة هذه، وتلك مغامرة فيها الكثير من التحدي لاسيما أنّ على الروس أن يبرهنوا امتلاكهم قوة هي أكبر بكثير مما يتمتعون بها على أرض الواقع!* جورج فريدمان*«جيوبوليتيكال فيوتشورز»