اقتراح ماكرون!
لأن الأوضاع في سورية وصلت إلى كل هذه المستويات من التداخل والتعقيد، ولأن مهرجان "سوتشي"، الذي من المفترض أن ينعقد في الثلاثين من هذا الشهر، سيكون مصيره كمصير اجتماعات جنيف واجتماعات "أستانة"؛ فإنه لابد من تفاهم المعنيين الفاعلين على صيغة جديدة، وفرضها على الأطراف المعنية، لا بالحوار والدبلوماسية الناعمة، ولكن بالقوة "الغاشمة"، وهذه "المفردة" الأخيرة كان قد استخدمها بشار الأسد في غير مكانها أكثر من مرة.الآن، وبعد أكثر من سبعة أعوام، لم يعد الصراع في هذا البلد العربي داخلياً، سورياً-سورياً، ولم يعد أيضاً إقليمياً مع إيران، التي تتدخل تدخلاً شائناً في العديد من الدول العربية (العراق وسورية واليمن ولبنان)، لقد أصبح صراعاً دولياً بين القوتين العظميين، الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، وبالطبع فإن لكل من هاتين القوتين حلفاء من بين مجموعة الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، بصورة معلنة ومباشرة أو بصورة ملتوية وغير مباشرة، مما يعني أنه لا فائدة ترتجى من "سوتشي" وغيرها، ما دام الأميركيون والروس قد ازدادوا تباعداً بعضهم عن بعض، وما دامت الحرب الباردة بينهم قد تصبح حرباً ساخنة... بل وشديدة السخونة!
ولهذا، ولتدارك الأمور قبل أن تصل إلى خط اللاعودة، فإنه تجب العودة إلى ما كان تقدم به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو: ما دامت الأزمة السورية، بعدما "تدوَّلت" على هذا النحو، قد ازدادت تعقيداً؛ فلابد من الاستعانة بالدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، فالحل الحقيقي هو هناك في نيويورك، لا في "سوتشي" ولا جنيف، وأيضاً "أستانة"، وبالطبع ولا في "حميميم" ولا في طرطوس، وحتى ولا في موسكو ولا في واشنطن.كان الروس، الذين استفردوا بالمنطقة بسبب رداءة الأداء الأميركي، إنْ في عهد إدارة باراك أوباما، أو خلال السنة الماضية من عهد الإدارة الحالية، قد رفضوا هذا الاقتراح الفرنسي المشار إليه آنفاً رفضاً قاطعاً... لكن، وقد أصبحت هناك مستجدات خطيرة في هذه المنطقة، وبخاصة في القرم وأوكرانيا، وفي توجه الولايات المتحدة الذي كان أعلنه وزير خارجيتها قبل أيام قليلة؛ فإنه لابد من التعاطي مع الأزمة السورية، التي غدت أزمة دولية ضاغطة على أعصاب الدول الكبرى الرئيسية، وعلى أعصاب معظم دول هذه المنطقة، فإنه لابد من النظر في اقتراح رئيس فرنسا جدياً قبل أن "تفلت" الأمور وتتحول هذه المشاحنات إلى مواجهة عسكرية ستكون مدمرة في كل الأحوال، إن هي وقعت بالفعل.وهكذا، فإن على الروس، الذين (كما هو واضح) يريدون استعادة وضعية العالم المتعدد الأقطاب، واستعادة صراع المعسكرات والحرب الباردة؛ أن يدركوا أن هناك في واشنطن ذئاباً متحفزة، وأن أي خطأ ترتكبه موسكو في سورية والشرق الأوسط أو في أوكرانيا وجمهوريات البلطيق أو في أوروبا الشرقية، سيؤدي إلى مواجهة ساخنة بالتأكيد، وهذه مغامرة لا يجوز دفع الأمور إليها، حتى وإن اقتضى الأمر أن تكون هناك تنازلات متبادلة.وهنا فإن الشرط الوحيد، هو أن يخرج الإيرانيون من سورية، وأيضاً أن يخرج بشار الأسد من دمشق، لحساب نظام تعددي وديموقراطي تشارك فيه كل مكونات الشعب السوري العرقية والمذهبية... وأيضاً الحزبية!