عندما زار الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي منطقة التضامن في 14 يناير، لم يولّد الكثير من التناغم رغم جهوده الحثيثة، فقبل أسبوع كانت التظاهرات قد ملأت الشوارع في مختلف أرجاء تونس، وسار الكثير منها في أماكن مثل التضامن، وهي ضاحية من ضواحي العاصمة تونس تسكنها الطبقة العاملة، صحيح أن هذه التظاهرات ظلت مسالمة خلال النهار، إلا أنها اتخذت منحى بشعاً ليلاً مع حرق الرعاع مراكز الشرطة وتحطيمهم "سوبرماركت"، وبعد ساعات من مغادرة السبسي التضامن اندلعت أعمال الشغب مجدداً، مخلفةً شوارع تنتشر على أرضها علب الغاز المسيل للدموع الفارغة.اشتعلت هذه الاضطرابات نتيجة رزمة من الزيادات الضريبية طالت عشرات السلع الاستهلاكية، ودخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير، كذلك رُفعت أسعار الوقود، التي تتمتع بدعم كبير من الدولة، وتشدد الحكومة على ضرورة تقليص العجز في الموازنة الذي يبلغ 6% من الناتج الوطني الإجمالي، وتشير إلى أن الكثير من تدابير التقشف يستهدف الأثرياء.
بعد مرور سبع سنوات على الثورة، بدأ تونسيون كثر يفقدون الثقة بعملية الانتقال الديمقراطية التي كان يُفترض أن تعزز الازدهار، وكشف استطلاع للرأي أجراه المعهد الجمهوري الدولي (مجموعة أميركية موالية للديمقراطية) أن معظم التونسيين يعتقدون أن البلد يسير في الاتجاه الخطأ، وعند سؤالهم عما إذا كان الازدهار أو الديمقراطية الأكثر أهمية، اختار الثلثان الازدهار.لا عجب أن نسمع في المقابلات حنيناً إن لم يكن لبن علي فلسلفه الحبيب بورقيبة الذي حكم طوال 30 سنة حتى عام 1987. يتذكر كثيرون تظاهرات الخبز في ثمانينيات القرن الماضي التي اندلعت، على غرار التظاهرات الحالية، بسبب خفض الدعم المرتبط بالمحادثات مع صندوق الدعم الدولي، ولم تنتهِ التظاهرات إلا عند عودة بورقيبة عن ذلك الخفض. تذكر سهام بن سدرين، التي ترأس هيئة الحقيقة والكرامة الوطنية: "من فضائل الحكم الدكتاتوري أن الدولة تتمتع بسلطة كبيرة، صحيح أن هذا سيئ، إلا أنه فاعل ويظن الناس أن الديمقراطية تعادل الفوضى". عقدت تونس انتخابات برلمانية حرة وعادلة في غضون سنة بعد هرب بن علي، وفاز حزب النهضة الإسلامي بالأكثرية في المجلس التشريعي وشكّل ائتلافاً، ثم أقدم على خطوة أكثر أهمية: تنحى عن السلطة في عام 2014 بعدما أدخلت سلسلة من عمليات الاغتيال السياسية البلد في أزمة، وعندما تصدرت حركة نداء تونس، وهي كتلة من الأحزاب العلمانية، الانتخابات اللاحقة، انضم حزب النهضة إلى ائتلافها، صحيح أن منظمة "بيت الحرية" خفّضت تصنيف تونس في مسحها الأخير للحرية حول العالم، إلا أنها ظلت البلد العربي الوحيد الذي اعتُبر "حراً".ولكن عملية الانتقال الديمقراطي كانت تعرقلها النخب السياسية، فرغم مرور أربع سنوات على تبني الدستور الجديد، لم يعيّن البرلمان بعد محكمة دستورية، لأن المشرعين عاجزون عن الاتفاق على القضاة الذين سيختارونهم، كذلك لم تعقد تونس الانتخابات المحلية التي كان يُفترض إجراؤها في عام 2016 ثم أُرجئت أربع مرات، ومن المقرر عقد هذه الانتخابات راهناً في شهر مايو، مع أن ذلك لا يبدو أكيداً، وتخشى حركة نداء تونس أن تتعرض للهزيمة على يد حزب النهضة الأكثر تنظيماً، ويضع كلا الحزبين عينيهما على الانتخابات الوطنية عام 2019، ولكن تبقى الحوكمة المحلية الفاعلة مهمة في بلد يعاني فوارق كبيرة بين الداخل الفقير والساحل المزدهر نسبياً (...).«الإيكونوميست»
مقالات
التونسيون يفقدون الثقة بصناديق الاقتراع
25-01-2018