حضرتُ معرض "إنسانيات" الذي أقيم في مجمع بروميناد الأسبوع الماضي، وكان توقيته مثالياً– وإن كان مصادفةً- حيث أتى بالتزامن مع تصريح رئيس الفلبين رودريغو دوتيرتي برغبته في إيقاف إرسال المزيد من العمالة الفلبينية– المنزلية على وجه الخصوص- إلى الكويت، وذلك بسبب كثرة الانتهاكات والتحرشات التي فضّلت العديد من العاملات الموت على الاستمرار في العيش تحت هذه الظروف القاسية وبكل أسف. وقامت مبادرة "إنسانيات" بنشر التوعية حول حقوق العمالة المنزلية الوافدة والمتدنية الأجور، وذلك عن طريق الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو والأعمال الفنية المتنوعة. جميل هو وجود هذا النوع من الوعي والرقي في مجتمع في أمس الحاجة إلى معرفة مبادئ حقوق الإنسان.
المدهش فعلاً هو حالة الإنكار التي يعيشها الكثير منا، نحن الكويتيين، بمن في ذلك ممثلونا الرسميون!! فبدلاً من الخجل والاعتذار الرسمي، وتقديم لوائح جديدة تكفل حقوق العمّال، نسمع أصواتهم تتعالى إنكاراً... يسمون كل هذه الانتهاكات المتكررة واليومية "استثناءات"، ويشيحون بوجوههم بعيداً عن قبح القضية وبشاعة المشكلة ليختزلوها بكل بلادة في الحديث عن حماية جيب المواطن! لا أرى أن معلومات الرئيس الفلبيني "مغلوطة"، حيث تم نشر العديد من الدراسات المخزية والإحصائيات المخيفة عن مستوى أداء الكويت المتدني في مجال حقوق الإنسان والعمالة الوافدة مراراً وتكراراً ومن مصادر كبرى كالأمم المتحدة "UN United Nations” وإنترنيشنز "Internations”، حيث تذيلت الكويت هذه القوائم لأعوام عديدة على التوالي، فهل بذلك استطعنا أن نحافظ على لقب "الكويت بلد الإنسانية"؟الدفاع المستميت في تلك التصريحات المضادة ليس سوى انعكاس لخوف كبير من الحرمان من تلك الأيدي العاملة وزيادة تكاليفها، فالأيدي الذهبية يبدو أنها نسيت منذ عقود كيف ترتب أسرِّتها وتطهو طعامها وتهدهد أطفالها بنفسها! ومن منّا لا يعرف بصورة شخصية أحداً قام بالضرب أو الإهانة أو الإساءة لعاملة منزلية أو لوافد أياً كانت مهنته، فلماذا الإنكار والتغافل؟يتم اقتلاعهم من الطبيعة الخضراء والديار الجميلة– على الرغم من فقرها- كي يعيشوا في صناديق الإسمنت المقيتة، لا يفصل بينهم وبين العبيد سوى بضعة حقوق يتم تجاوزها على أي حال. يبتلعون مرارة الإساءات وذل المهانة يومياً لأجل حفنة من الدنانير ينفقها أحدنا دفعة واحدة بكل أريحية في زيارة لأحد المحلات التجارية. يندم الكثير منهم على قرار العمل هنا ويتمنى العودة، لكنه لا يملك حتى أمر الاحتفاظ بجواز سفره بيده... هو عبدٌ لعقدٍ قد يستمر لسنتين من العمل المستمر دون إجازة، فإذا كانت أكثر الشعوب مرونة (كالفلبين) وأكثرها سلاماً (كالهند) غير قادرة على تحمل غطرستنا، فمن سيتحملها؟
مقالات - اضافات
هجوم من الفلبين
26-01-2018