السباق الجديد إلى الفضاء
إذا سارت كل الأمور وفق المخطط له فسيُقلع في أواخر الشهر الحالي صاروخ يُدعى "فالكون هافي" من منطقة رأس كانافيرال في فلوريدا، مهمة هذا الصاروخ وضع سيارة رياضية في المدار حول الشمس، يُعتبر "فالكون هافي" أحدث منتجات SpaceX، وهي شركة أسسها الثري الأميركي إيلون مسك، أما السيارة التي ستوضع حول الشمس، فهي سيارة مسك نفسك التي صنعتها "تيلسا"، شركة أخرى من شركاته، ومن أهداف شركة SpaceX المعلنة، فضلاً عن تحقيق المكاسب المالية، السماح للناس بالسفر إلى المريخ واستعماره، ولكن قبل ذلك، تتركز مهام "فالكون هافي" على نقل الأقمار الاصطناعية وحمل السياح في رحلات سريعة حول القمر.يطمح مسك إلى دفع البشرية إلى خارج كوكبها الأصلي، لكن ما يدور في الفضاء اليوم يعكس أيضاً تبدّل توازن القوى على الأرض، ففي زمن سباق الفضاء بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، شكّلت السماء جبهة في الحرب الباردة تواجهت عليها عقيدتان متنافستان، ولكن منذ ذلك الحين، لم يتبدّل ميزان القوى بين البلدين فحسب، بل أيضاً بين الحكومات والأفراد.
سباقات غريبةلا تغيب المنافسة الدولية عن الفضاء الخارجي، فعلى سبيل المثال تثير الصين معمعمة كبيرة بشأن المري، وقد اعتبرت السنة الماضية رقعة من الصحراء في شمال غرب البلد شبيهةً بما فيه الكفاية بالمريخ وقررت تخصيصها لتدريب رواد الفضاء الصينيين الذين سيُرسلون إلى المريخ، كذلك تنقل الصين مرفأها الفضائي الرئيس من شمال البلد إلى جنوبه. تعود هذه الخطوة في جزء منها إلى رغبة الصين في استغلال السرعة المتجهة الإضافية أثناء الإقلاع التي يتيحها دوران الأرض عند الاقتراب من خط الاستواء. أما في الولايات المتحدة فقد وقّع الرئيس ترامب في شهر ديسمبر أمراً يطلب من ناسا (وكالة الفضاء في هذا البلد) الاستعداد لإعادة رواد الفضاء الأميركيين إلى القمر. امتحان أساسيرغم ذلك، مقارنةً بستينيات القرن الماضي، تتقدم هذه المسائل ببطء، فقد غابت التواريخ المحددة بشكل لافت عن إعلان ترامب، وعلى نحو مماثل تفتقر رغبة الصين في إرسال رجال ونساء إلى القمر إلى الحماسة، ويرجع هذا الاسترخاء الأكبر في التعاطي مع مسائل الفضاء في جزء منه إلى واقع أن السباق الأصلي شكّل امتحاناً أساسياً لتحديد ما إذا كانت الرأسمالية أو التخطيط المركزي النظام الاقتصادي الأفضل، أما غياب الشعور بالإلحاح عن السباق الحالي إلى الفضاء، فيعكس طبيعة التنافس بين القوى العظمى الأكثر هدوءاً على الأرض.يعكس هذا الواقع أيضاً انتشار الثروات والتكنولوجيا، فقد ارتفع عدد الدول التي تخوض غمار الفضاء منذ ستينيات القرن الماضي، حين اقتصر السفر إلى الفضاء على الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، فإلى جانب الصين وروسيا، أسست أيضاً أوروبا، والهند، واليابان برامج فضاء تستطيع بلوغ القمر وأجسام سماوية أخرى بواسطة مركبات فضاء آلية، وهذا ما تفعله بالتحديد.أما فكرة إدارة أفراد برامج فضاء، فكانت مدعاة سخرية في الستينيات، لكننا نشهد اليوم عدداً من هذه البرامج، فيواجه مسك منافسين عدة بدءاً من Blue Origin وصولاً إلى شركة ناشئة صغيرة إنما جريئة تُدعى Rocket Lab. علاوة على ذلك تحوّل حمل الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء إلى قطاع قائم بذاته يضم شركات فعلية ورجال أعمال حقيقيين. لكن استعداد إنسان ثري لإنفاق ماله على مشروع فضاء خال مثل السفر إلى المريخ يشكّل خطوة محيرة ومختلفة كل الاختلاف، فضلاً عن أنه يمثل معياراً جيداً يعكس مستوى الثراء الذي بلغه البعض.في الوقت الراهن، لا تزال برامج الفضاء الخاصة حول العالم، سواء كانت تجارية أو غريبة، أميركية بمعظمها، لكن هذا النموج بدأ ينتشر، فحتى الصين تدعم شركات الصواريخ الناشئة، وهكذا سيشمل السباق إلى المريخ الذي انطلق لتوه شركات ودولاً على حد سواء، ولا شك أن هذا سيجعله اختباراً أفضل للأنظمة الاقتصادية، مقارنةً بسباق الفضاء الأصلي.