تعتبرين أحد الأصوات النسائية القليلة التي تقرأ المقام العراقي، كيف لنا أن نخلق جيلاً نسائياً من قارئات المقام؟

أولاً، تأتي الموهبة، إضافة إلى توافر المساحة الصوتية الواسعة، كذلك المعرفة والإدارة الجيدة للصوت بقواعد وأصول المقامات العراقية التي تتولّد من خلال الاستماع الطويل والمستمر، فضلاً عن الاستفادة من خبرة الأساتذة الاختصاصيين في هذا المجال. هذه الظروف كافة، تصنع أصواتاً نسائية قارئة للمقام.

Ad

شخصياً، توافرت لي هذه الأمور منذ طفولتي. شجعني والدي عندما وجد الموهبة لدي، وهو كان يعمل مترجماً للقسم الفارسي في الإذاعة العراقية، وكنت آنذاك طفلة أرافقه أحياناً إلى مبنى الإذاعة. ثم دخلت فرقة الأطفال حيث نمت موهبتي الفنية وتعرفت إلى ملحنين كانوا يقدمون ألحاناً لأغاني الأطفال في حينه من بينهم الأساتذة: نجم عبد الله، وحسين قدوري، وكنعان وصفي. وبعد إكمالي الدراسة المتوسطة، نصحني الفنان عازف العود علي الإمام بالدراسة في معهد الدراسات النغمية، وعرفني إلى الفنان الكبير منير بشير الذي شجعني على دراسة المقام العراقي بعدما وجد لدي الموهبة والإمكانية الصوتية. هكذا، بدأت دراستي الأكاديمية للمقام العراقي، وتطوّرت من خلال أساتذتي شعوبي إبراهيم، والدكتور حسين الأعظمي، إضافة إلى زوجي د. محمد حسين كمر الذي التزمني فنياً وقدّم لي الألحان البغدادية الجميلة التي تتوافق مع غناء المقامات العراقية.

كما أشرت سابقاً، إن توافرت الظروف المناسبة ستخرج مواهب نسائية لافتة، ولكن للأسف الحوادث التي يمرّ بها العراق تحول دون ذلك، أو لنقل تضعف الأمل بذلك.

أنت والملحن محمد كمر شكلتما ثنائياً جميلاً، حدثينا عن مسيرتكما الفنية. وما أوجه الخلاف بينكما؟

غنيت لمعظم الملحنين العراقيين الكبار من بينهم عباس جميل، وطالب القرغولي، وفاروق هلال، وجعفر الخفاف، وعلي عبد الله، وقدموا لي ألحاناً وأغاني جميلة، لكن الملحن محمد حسين كمر أكثر من تعاونت معه لأنه فهم طبيعة صوتي جيداً ومنحني أجمل الألحان المستنبطة من روح المقامات العراقية، وقدمها بأسلوب جديد وبطريقة أكاديمية، فيها التوزيع الجميل الذي لم يكن مطروقاً كثيراً، من بينها أغنية «عليش تغيب عني» للشاعر محمد المحاويلي، وقصيدة «حبيب الأمس» للشاعر أسعد الغريري، وهي فازت بجائزة أفضل قصيدة مغناة في مهرجان بغداد للقصيدة المغناة عام 1993. وصاغ ألحانها وفق أسلوب وطريقة ملائمة لمساحة صوتي لذلك كان النجاح المشترك.

حينما تقدمت إلى المعهد كطالبة، كان الملحن محمد كمر أستاذ مادتي الصولفيج والإملاء تربية الصوت، إضافة إلى تدريسه آلة الجوزة. وبدأنا المسيرة الفنية المشتركة منذ عام 1985. ولحن لي أوّل أغنية أخذت شهرة كبيرة في العراق والكويت هي «أحلى عتاب» للشاعر الراحل نزار جواد، كذلك «الله لو تدري» وسجلت لحساب شركة «النظائر» التي اعتز بمؤسسيها لأنهم أصدروا لي أول كاسيت في مسيرتي الفنية، متمنية أن يعود هذا التعاون بيننا.

مستقبل المقام العراقي

د. محمد كمر، تبنيت أصواتاً كثيرة، حدثنا عنها.

صحيح. برز فنانون كثيرون في الساحة الفنية تبنيتهم من خلال التزامي الفني معهم، ومن أشهرهم ماجد المهندس الذي اعتزّ به كثيراً لسمو خلقه الطيب ووفائه وهو يعتبرني عرابه الفني. التزمته فنياً من خلال تعليمه أصول الموسيقى وقواعدها والاهتمام بالصوت. كذلك وزّعت الألبوم الأول له.

قدّمت أيضاً أصواتاً شبابية في نهاية الثمانينيات أمثال المطرب الراحل رياض كريم، صاحب أغنية "مراسيل"، والفنان ستار ناجي وهو الآن مدير معهد الدراسات الموسيقية، والمطرب الشاب مظفر الأمير، وعادل النجم، وشقيقي خالد كمر. لكن بعد هجرتي إلى هولندا تفرّغت تماماً لمهمتي الرئيسة في نشر المقام العراقي في العالم من خلال تأسيسي فرقة "المقام العراقي"، إضافة إلى أنني تفرّغت للمجال الأكاديمي من خلال دراستي وحصولي على شهادتي الماجستير والدكتوراه في التراث الموسيقي، فضلاً عن اهتمامي بمشروعي الكبير وهو تسجيل المقامات العراقية وتوثيقها، وهو يحتاج إلى دعم مادي للحفاظ عليه للأجيال المقبلة.

كيف تنظر إلى مستقبل المقام العراقي وأنت فنان وملحن متميز؟

لا تبعث ظروف العراق الراهنة الطمأنينة في النفس للأسف، ذلك لعدم وجود رجال دولة يهتمون بالثقافة والتراث والموسيقى، لذا فإن مستقبل المقام العراقي لا يبشر بالخير. شخصياً، ومن خلال خبرتي الأكاديمية الطويلة في هذا المجال، ومع مجموعة رائعة من قراء المقام هم: الدكتور حسين الأعظمي، وسعد الأعظمي، وحامد السعدي، نهتم بمشروعنا الكبير، وهو توثيق المقام العراقي وتسجيله. وهنا أود لفت انتباه شعبي العزيز في العراق إلى أن الدعم الأولي كان من "اليونسكو" التي اعتبرت المقام العراقي جزءاً من التراث الإنساني، كذلك من الصندوق العربي للثقافة والفنون الذي اعتبر المقام العراقي جزءاً من التراث العربي. والمضحك المبكي أن أصحاب الشأن، وأقصد مسوؤلي الثقافة والموسيقى في العراق، والذين قدّمت لهم المشروع لتبنيه من خلال بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013 لأنه هوية العراق الموسيقية، لم يقدموا أي دعم يذكر، رغم وعود وزير الثقافة السابق سعدون الدليمي ووكيل الوزارة فوزي الأتروشي، إضافة إلى مدير عام دائرة الفنون الموسيقية السابق، والتي تعنى بشوؤن الموسيقى والمقام. وأشير هنا إلى أنهم قدموا ملايين الدولارات لمشاريع تافهة لا تقدم ولا تؤخر ولا تخدم، فيما أهملوا هذا المشروع المهم. حتى أننا سمعنا أنهم سرقوا مشروعنا. لذا نتمنى مستقبلاً أن نحظى برجال يقدرون قيمة التراث والموسيقى في بناء مجتمع متحضر.

مشروعنا حاضر وقائم وينتظر الدعم المطلوب، وقيمته الثقافية كبيرة ومهمة، فيما تكلفته متواضعة، لا سيما أن معظم المساهمين تبرّع بالجهود من أجل خدمة هذا التراث.

ألوان غنائية مختلفة

الفنانة فريدة، هل تجيدين ألواناً أخرى من الغناء؟

بدأت شهرتي مع المقام العراقي كوني المرأة الوحيدة التي تهتّم بهذا التراث، إضافة إلى أنني أول امرأة في تاريخ الموسيقى العراقية تدرس المقام العراقي بطريقة أكاديمية. بعد تخرجي في المعهد وبتشجيع من الفنان الكبير منير بشير، أصبحت أول أستاذة للمقام العراقي في المعهد.

إضافة إلى المقام العراقي، اشتهرت بأداء أغاني أم كلثوم، ولقبني الجمهور العربي بأم كلثوم العراق. ولكن مع اعتزازي الكبير بكوكب الشرق، فإنني أفضل أن ينادوني فريدة العراق. كذلك تعلمت الغناء الفارسي والمقامات من خلال والدي ووالدتي وأؤديها في حفلاتي، خصوصاً «هايدة» و«ماهستي» و«كوكوش»، إضافة إلى الغناء باللهجتين الكردية والآثورية.

ماذا عن جديدك؟

مجموعة أغان من بينها «يا صبر» شعر كريم العراقي وألحان مهند محسن، و"أمانة" كلمات فراس الغريب وألحان صفاء جوزي، صوّرنا الأغنيتين في أستراليا مع المخرج أنمار بركات، وتعرضان قريباً على الفضائيات. كذلك ثمة مجموعة أغانٍ للملحنين كوكب حمزة، وباهر الرجب، ومحمد كمر، فضلاً عن أغنية من النمط البغدادي للملحن الشاب حسام الشامي.

د. كمر، أخبرنا عن جديدك.

ثمة مجموعة ألحان منها قصيدة للشاعر طه خليل، وأغنية "مستحيل" للشاعر منذر كريم وأغنية "ليلة شتا" من كلماتي وألحاني، إضافة الى قصيدة "المعذب" كتبت النص الشعري ومن ألحاني وتوزيعي، بالإضافة الى تفرغي لإصدار كتاب يتضمن أطروحة الدكتوراه التي حصلت عليها بتقدير امتياز وتوجيه اللجنة في إصداره على شكل كتاب يكون مصدراً لطلبة الدراسات العليا، وكذلك اهتمامي بالبحث عن مصادر لدعم مشروعي المهم تسجيل وتوثيق المقامات العراقية، والتي آمل ان يجد الاهتمام لدى المؤسسات الثقافية والفنية العربية والعراقية والعالمية كونه يمثل جانباً مهماً من التراث الإنساني اللامادي.

حبذا لو تحدثانا عن أسرتكما، وهل يتمتع أحد من الأولاد بموهبة الفن والغناء؟

أنا سعيدة بأحفادي سعد وفريد ولدي إحساس بأن لديهما موهبة موسيقية ستظهر وتنمو مستقبلا، كما هي الحال مع ولدي عبد اللطيف الذي يعتبر أحد أهم عازفي الإيقاع في الوطن العربي، وهو يعمل، إضافة الى فرقتنا، مع الفنان كاظم الساهر ومع مجموعة من الفرق الموسيقية في هولندا، فضلا عن إجادته العزف على آلة العود، وحين استمع الى عزفه أشعر وكأني استمع إلى الفنان الكبير منير بشير، وقد تربى لطيف منذ صغره في جو موسيقي ساعد في تنمية موهبته، أما ابنتي ثريا فتملك صوتاً جميلا وأذناً موسيقية، لكنها لم تدخل المجال الفني لأنها تفرغت لدراسة القانون في جامعة اًونرخت في هولندا.

جمهور راقٍ

حول تقييمها للجمهور الكويتي تقول الفنانة فريدة: "قدمنا حفلتين في أكثر من مائتين وخمسين مهرجاناً في العالم وتعرفنا إلى جمهور موسيقي في بلدان عدة، لكن للجمهور الكويتي مكانة ومحبة خاصة كونه الأول الذي التقيته في أول حفلة لي خارج العراق على مسرحي الأندلس والدسمة، عام 1989، فقدم لي هذا الجمهور الراقي دعماً معنوياً، إضافة إلى إصدار أول كاسيت لي في مسيرتي الفنية عن طريق شركة النظائر.

حقيقة الكويتيون جمهور موسيقي متذوق للغناء والفن العراقي بشكل كبير، وقد زرت الكويت أربع مرات قبل اليوم، وسعيدة بأن تكون مشاركتي الثانية في مهرجان القرين، وأشكر المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب على دعوته الكريمة لي».