سباق غير متكافئ على الشعبية وقدرة الحكم بين مستشار النمسا وأنجيلا ميركل
يمكن للمرء أن يتوقع، في ضوء اللغة والتاريخ المشترك بين النمسا وألمانيا، أن تتسم العلاقات بين الفئات المحافظة في البلدين بالعمق، وفيما يبعد حزب البديل لألمانيا في الشعبية عن حزب الحرية النمساوي فإن الثقافات السياسية في الدولتين متشابهة.
قال صحافي ألماني موجهاً كلامه إلى مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل التي كانت تقف إلى جانب مستشار النمسا الشاب الذي يوصف بالفتى الأعجوبة سيباستيان كيرز «يشعر العديد من الأشخاص في صفوفك بإثارة إزاء هذا المستشار النمساوي الشاب والديناميكي وغير العادي، وهل هذا هو نوع السياسي الذي تفتقده ألمانيا؟».وتبلغ ميركل الثالثة والستين من العمر، وهو ضعف عمر مستشار النمسا الجديد سيباستيان كيرز الذي اختتم في الأسبوع الماضي زيارة الى العاصمة الألمانية برلين استمرت يومين، وعلى الرغم من أن قلة من المراقبين يشككون في مهارة ميركل السياسية فإن الديناميكية ليست السمة التي تنسب إليها في أغلب الأحيان. وأجابت ميركل عن ذلك السؤال بالقول «المستشار النمساوي شاب ولا يمكن إنكار ذلك، ونحن نعمل معاً من أجل تحقيق شراكة جيدة بيننا»، ثم انتقلت إلى التطرق الى أهمية معالجة احتياجات المجتمع بصورة عامة، وقالت قبل أن تنهي مؤتمرها الصحافي المشترك مع مستشار النمسا «يتمتع الشباب بأهمية بالنسبة إلي مثل كبار السن تماماً».
وقد أظهر هذا الموقف مدى ما يشكله مستشار النمسا من إزعاج لها، ويذكر أن سن المستشار الشاب سيزعج أي سياسي محنك، ولكن ما يثير قلق ميركل وقلق حلفائها بقدر أكبر هو ما يمثله ذلك الشاب على الصعيد السياسي. وتجدر الإشارة إلى أنه قبل كيرز كانت الحكمة التقليدية تقول إن أي سياسي من جناح الوسط يتبنى سياسة اليمين المتطرف سيفقد المصداقية ودعم الناخبين.لكن كيرز الذي برز على شكل شخصية سياسية مرموقة في النمسا كوزير للخارجية من خلال مواقفه المتشددة إزاء سياسة الهجرة، قد أثبت أن تلك النظرية كانت خطأ، وفي الانتخابات التي جرت في فصل الخريف الماضي تمكن كيرز من نقل حزب الشعب النمساوي الذي يمثل يمين الوسط من المركز الثالث الى المركز الأول، وذلك من خلال التركيز على سياسة الهجرة، وهي القضية التي شغلت الشعبوية في أوروبا طوال جيل كامل.وكيرز الذي تسلم قيادة حزبه خلال فصل الصيف الماضي فقط انتهز الفرصة لإنهاء الدورة الطويلة من الائتلاف الواسع بين يمين ويسار الوسط وعمد إلى تشكيل تحالف مع حزب الحرية الذي يتمتع بشعبية واسعة.
سر نجاح كيرز
ويكمن نجاح مستشار النمسا الجديد في عرض ما لديه من آراء وأفكار من دون سرد مسهب، وعلى سبيل المثال وبدلاً من تبني أسلوب البلاغة الذي يعتمده اليمين المتطرف مع الحزب الفاشي الجديد ركز كيرز على الجوانب السياسية، وأفضت جهوده في سنة 2016 التي هدفت الى إغلاق الطريق في وجه هجرة اللاجئين عن طريق دول البلقان الى شمال أوروبا الى جعله بطلاً في بلاده، وقام بذلك في وجه مقاومة شديدة من جانب مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل التي تعتبر أقوى شخصية سياسية في القارة الأوروبية.وخلال مسيرته هذه اكتسب كيرز شعبية في الأوساط السياسية الألمانية، حيث دافع عن خطوات النمسا بطريقة هادئة ومحسوبة أصبحت بصمته الواضحة المتميزة في العمل، وبخلاف الشعبويين يتصرف كيرز بعقلانية وبعد نظر إزاء قضية اللاجئين في وجه نقاده الذين يصرون على مواقف مماثلة تصدر عن أقصى اليمين.البديل النمساوي
وفيما اشتبكت ميركل مع جناح المحافظين في حزبها الاتحاد المسيحي الديمقراطي حول سياسة اللاجئين برز مستشار النمسا في صورة النموذج الذي يمثل اليمين في هذه القضية.وكتبت صحيفة «دي فيلت» الألمانية في الأسبوع الماضي تقول إن «البديل بالنسبة الى ميركل ليس البديل بالنسبة الى ألمانيا، بل هو كيرز في الواقع».وحتى إذا نجحت ميركل في تشكيل ائتلاف جديد مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي يشك بعض المراقبين في قدرتها على دخول محيط الشفق في عملها السياسي، وفي حين لا يوجد بديل واضح لخلافتها فإن الجيل الأصغر سناً من القادة في حزبها يشتهر بأنه أكثر محافظة بصورة جلية من المستشارة التي يعتقد الكثيرون في الحزب أنها بدأت تميل بشدة نحو جناح اليسار.ويعتبر جنز سباهن وهو نائب وزير المالية وعضو المجلس التنفيذي في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي أحد المرشحين لخلافة ميركل، وقد تحداها في قضية اللاجئين إضافة الى سياسات أخرى سبق أن اتبعتها، وليس من قبيل المصادفة أيضاً أنه أقام علاقة مع كيرز وصلت الى حد سفره الى فيينا في يوم الانتخابات للاحتفال مع مستشار النمسا الجديد.وفي الوقت الذي كان حزب ميركل يتعرض لهجوم من حزب البديل لألمانيا اليميني المتطرف الذي تأسس سنة 2013 والذي حث الحكومة الألمانية على تبني سياسة أشد إزاء اللاجئين وعمليات دمج الأجانب في المجتمع فإن من غير المرجح أن تضعف الضغوط الداعية الى اتباع المثل الذي يجسده مستشار النمسا الجديد.علاقات ثنائية عميقة
وكما يمكن للمرء أن يتوقع، في ضوء اللغة والتاريخ المشترك بين البلدين، أن تتسم العلاقات بين الفئات المحافظة في ألمانيا والنمسا بالعمق، وفيما يبعد حزب البديل لألمانيا في الشعبية عن حزب الحرية النمساوي فإن الثقافات السياسية في الدولتين متشابهة.وفي أوروباعلى سبيل المثال ينتمي الجانبان الى الشريحة ذاتها من العقيدة المالية المحافظة التي جعلت ألمانيا موضع انتقاد حاد في جنوب أوروبا خلال أزمة منطقة اليورو.وعلى أي حال، وعندما يتعلق الأمر بأنجيلا ميركل ومستشار النمسا الجديد قد يكون ذلك الحد الذي ينتهي عنده التوافق المتعلق بطريقة مقاربة أوروبا.وعلى الرغم من أن كيرز يقول إنه يؤيد إصلاح التكتل الأوروبي فإنه يعارض فكرة ميركل حول وجود خطين للسرعة في أوروبا والتي طرحتها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وقت سابق، وبدلاً من ذلك ارتبط كيرز مع دول أوروبا الوسطى التي تريد المزيد من التركيز على السيادة الوطنية. ومع استعداد النمسا لتسلم الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من العام الحالي سيمثل كيرز صوتاً مؤثراً تماماً.ويقوم كيرز في الوقت الراهن بدور دبلوماسي، وفي حقيقة الأمر فإن هدف زيارته الى ألمانيا كان صنع السلام، ومهما بلغ ضعف ميركل نتيجة الشلل السياسي في بلادها فإن كيرز يعرف أنه لن يحقق الكثير من خلال استفزازها ومضايقتها.وفيما لم ينكر كيرز الخلافات بينه وبين ميركل فقد شدد على أهمية العلاقات الثنائية وخصوصا بالنسبة إلى النمسا، وتجدر الإشارة إلى أن ألمانيا هي أكبر شريك تجاري للنمسا والمصدر الرئيس للسياحة فيها.*ماثيو كارنيتشنغ– «بوليتيكو»
في الخريف الماضي تمكن كيرز من نقل حزب الشعب النمساوي ممثل يمين الوسط من المركز الثالث إلى المركز الأول
نجاح مستشار النمسا الجديد يكمن في عرض ما لديه من آراء وأفكار من دون سرد مسهب
نجاح مستشار النمسا الجديد يكمن في عرض ما لديه من آراء وأفكار من دون سرد مسهب