الهندسة الاجتماعية وقطاع الطرق
مع انتشار الشبكات الاجتماعية واختلاف أنماطها من محادثات كتابية إلى صوتية وفيديو، إلى بث مباشر وغيرها الكثير، والتي تهدف إلى اقتحام الخصوصية وسحب أكبر قدر من المعلومات، والتي قد يعتبرها البعض أمرا غير مهم، ظهر علم جديد من الاختراق باسم الهندسة الاجتماعية (social engineering) والتي لا تعتمد على دراسة أو أساسيات برمجية أو أكاديمية لمفاهيم الاختراق الإلكتروني، لكنها تحتاج إلى مهارة وفن لاختراق عقول البشر وجمع أكبر قدر من المعلومات عن الضحايا من أجل أغراض لا أخلاقية مثل: السرقة أو التشهير أو نشر الرذائل. والركيزة التي انطلقت منها هي اختراق الحلقة الأضعف في سلسلة أمن المعلومات، ألا وهي العنصر البشري، ولإتمام عملية البرمجة الذهنية اعتمدت الهندسة الاجتماعية على التعامل مع الغرائز البشرية التي تعتبر ثغرات موجودة في الطبيعة الإنسانية مثل الخوف والثقة والطمع والرغبة في المساعدة والانجذاب للأشخاص المشابهين، وغيرها من خلال أساليب مختلفة أهمها الإنترنت، والمتمثل بالرسائل الإلكترونية أو المواقع المزيفة (Phishing) والشبكات الاجتماعية التي تعتبر من أهم وأكثر الوسائل انتشارا وغيرها من أدوات متوافرة في الإنترنت، فمثلا يمكن أن تأتيك رسالة عبر البريد الإلكتروني تخبرك بأنك ربحت مبلغا وذلك يتطلب إعطاء بياناتك البنكية لإتمام عملية تحويل المبلغ أو يتم نشر حساب في الشبكات الاجتماعية مهمته استثمار أموالك وإعطائك أرباحا طائلة. الأسلوب الآخر للهندسة الاجتماعية هو الهاتف الذي يتمثل بالمكالمات الهاتفية (Vishing) والرسائل النصية (Smishing)، وبالنمط نفسه يمكن أن تأتيك مكالمة من رقم بنكي معروف يخبرك مثلا أن هناك عملية استحداث للبيانات يقوم بها البنك، ويجب إعطاء البيانات الشخصية لإتمام تلك العملية وهكذا. خلق العلاقات الشخصية يعتبر أيضا أسلوبا من أساليب الهندسة الاجتماعية التي قد تكون على شكل حيل العلاقات العاطفية (Sweetheart Scams) أو حيل الفرص الوظيفية (Online Job Scams) وغيرها الكثير من استغلال صارخ لحاجات الإنسان. ومن الغريب والمريب استسلام رهيب من الشعوب العربية لهذا النوع من الاختراقات وعدم وعيهم من مخالبها وخبثها بالرغم من وضوحها وتعرض الكثير لعمليات نصب واحتيال، فالجميع (إلا ما ندر) يسرد تفاصيل حياته الشخصية في حسابه الخاص في الشبكات الاجتماعية، وأيضا يتجاوب مع المكالمات الواهية، لاهثين وراء سراب جني أموال. والأغرب صمت الحكومات، حيث أصبح أصحاب هذه الفئة المحتالة يسرحون ويمرحون في الأماكن العامة (المراكز التجارية والمعارض العقارية وغيرها) وفي وضح النهار دون رقيب أو حسيب! فالحذر كل الحذر من انتشار أساليب الهندسة الاجتماعية بصورة قد تصبح تجارة مباحة تقتص من أمن الشعوب؛ لتصبح أرضها مأوى للمحتالين وقطاع الطرق!
* عضوة هيئة تدريس في جامعة الكويت