التواصل المفقود مع الآخر
كنت في لندن وقت وقوع الحادث الإرهابي في مسجد الروضة في شمال جزيرة سيناء في مصر، احتل الخبر مقدمة النشرات الإخبارية الإنكليزية وكذلك صحف الأيام التالية، ولاحظت حجم الغياب الكبير للرؤية المصرية للحادث والواقع المصري، فاحتل مقاعد التحليل، إلا قليلا، أشخاص معروفون بمواقفهم السياسية المسبقة من مصر ونظامها الحالي سواء من الإنكليز أو العرب أو المصريين، وكانت مناسبة للترويج لمواقفهم السياسية المناوئة، وغاب أي صوت معلوماتي مرتبط بالواقع المصري، كما غابت الأصوات من داخل مصر بلد الحدث، واختفى المسؤولون خلف أبواب لا يعلمها الإعلام، وعندما تابعت بعض وسائل الإعلام الدولية الأخرى لم يختلف الوضع كثيرا، فمعظم وسائل الإعلام غاب عنها الصوت المصري، ما عدا مقاطع من كلمة الرئيس السيسي التي وجهها إلى المصريين في أعقاب الحادث، والملاحظ أن معظم، إن لم يكن كل، وسائل الإعلام الغربية قد استخدمت تعبير "مسلحين" (militants) أو "جهاديين" (jihadists) في وصفهم للإرهابيين الذين قاموا بتلك الجريمة. أذكر عندما كان الإخوان في الحكم، ذلك العام الذي عانته كل مصر، كنت أقيم في لندن وقتها، كان بادياً مستوى إدراكهم وفهمهم لأهمية الإعلام والتواصل، يوم أعلن مرسي الإعلان الدستوري الذي قلب مصر وقتها، حكى لي أحد المسؤولين عن القسم الخارجي في إحدى الصحف البريطانية الكبيرة كيف أن وفوداً متعددة من أعضاء الإخوان المدربين على الحديث والمصحوبين ببعض اختصاصيي الاتصال والعلاقات العامة البريطانيين قد ذهب كل مجموعة منهم إلى إحدى الصحف أو وسائل الإعلام الكبرى أو مراكز البحث وبعض اللجان البرلمانية ليشرحوا وجهة نظرهم في الإعلان وأهميته ولماذا صدر، كانوا يحملون الباطل وقتها ولكنهم استخدموا الوسائل الصحيحة للترويج فنجحوا في بيع الباطل، وكانوا يفعلون ذلك في كل مناسبة أو تطور لضمان أكبر قدر من الفهم لموقفهم وبالتالي تشكيل رؤية الأشخاص الذين يلتقون بهم أو التأثير فيهم، وهؤلاء بالتالي ينقلون للرأي العام المواقف من زاويتهم التي حتما تأثرت بقدر أو بآخر بما عُرض عليهم، نحن في هذه المرحلة المهمة الحالية نمتلك الحق والحقيقة ولا ندرك كيف نروي قصتنا.
لنصل إلى هذه النتيجة علينا البحث عن مكمن الخلل في تقديم واقعنا إلى عيون وآذان العالم، وهنا أعني العالم سياسياً وإعلامياً، أعني مؤسسات الحكم والقرار وأقصد الرأي العام الذي يحصل على معلوماته من وسائل إعلامه التقليدية أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، إذا كان الخلل في رؤية العالم الخارجي لموقفنا يوجد فقط في بلد هنا أو هناك ففهمنا بسيط، لأن هذا يعني أن معظم العالم يعلم بموقفنا إلا أجزاء لأسباب يمكن حصرها والتعامل معها، لكن المهم أن صورتنا وقصتنا صحيحة ومعروفة لمعظم دول العالم، أما إذا كان الوضع هو فهم مختل لموقفنا في معظم دول العالم، فهنا تكمن المشكلة، وقتها يجب أن نكون أكثر صراحة ووضوحا في مواجهة الواقع والاعتراف بأن لدينا خللا في أساليب تواصلنا مع الآخر.العديد من مستويات مختلفة وجه اللوم إلى الـ"بي بي سي" البريطانية وأيضا الـ"سي إن إن" الأميركية في الوقت ذاته، ولا بأس بلوم الألمان والإسبان والطليان، هنا يكمن الخطأ والخطر، هنا دلالة واضحة أننا نعاني من قنوات منسدة بيننا وبين الآخر، أو أن ضبابا كثيفاً يحيط بمواقفنا، إن اكتفينا هنا بلوم الآخرين "المتآمرين"، وهم هنا أصبحوا معظم العالم، فإن هذا موقف مريح يمكننا بعده أن نذهب مرتاحي البال وننام بعمق لأن المؤامرة كبيرة علينا، ولكن إن أردنا أن نتجاوز هذه الحالة ونصدق أنفسنا في التعامل مع صورتنا في العالم وأسلوب حديثنا إليه واهتمامنا بنقل صورة حقيقية وفتح قنوات متعددة متوازية ومتعاونة فإن هذا موضوع آخر، إن قررنا سلوك هذا الطريق فسيكون هذا أحد علامات الجدية والفهم للتعامل مع مشكلاتنا.أما موضوع السوشيال ميديا فهذا موصوع آخر كبير، لن أناقش الآن حدود تأثيره وكيفية إدارته في مناطق الدولة المختلفة، وما إذا كانت هذه الإدارة علمية وصحيحة وتحقق الهدف الحقيقي منها أم أنها مجرد منصات للاشتباك قصير النظر، ولن أناقش إذا كانت هناك استراتيجية تجمع كل هذه المجموعات، أم أنها تتنافر وتتنافس أكثر مما تتعاون، وإن كان هناك استراتيجية من الأساس.