منذ خاضت بيروت مجال السينما في عشرينيات القرن الماضي، سواء في صناعة الأفلام أو في انتشار صالات عرض الأفلام في أرجائها، تميزت بحرية التعبير وبكونها سباقة في عرض الأعمال الأجنبية. وكان المنتجون العالميون في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته يعولون على العاصمة اللبنانية لنشر أفلامهم في أنحاء العالم العربي، فيقدمون العرض الأول فيها بالتزامن مع العرض في كبريات العواصم العالمية.

Ad

خسائر فادحة

اليوم، تحافظ بيروت على ريادتها وعلى مركزها ودورها، إنما تقتحم أزمات غير معهودة من وقت إلى آخر تحدث بلبلة، وتؤثر سلباً في هذا القطاع على غرار ما حصل أخيراً مع The Post، الأمر الذي دفع صادق الصبّاح، رئيس مجلس إدارة شركة «صبّاح للإعلام» ونائب رئيس نقابة مُنتجي ومُوزّعي ومُستوردي الأشرطة السينمائيّة والتلفزيونيّة في لبنان، إلى رفع الصوت عالياً محذراً من مغبة منع الأفلام الأجنبية من العرض في لبنان لأن ذلك يكبد النقابة خسائر فادحة، خصوصاً أن الشركات تدفع مسبقاً ثمن النسخ، لافتاً إلى أنه ضد التطبيع مع إسرائيل ومع مقاطعة أي عمل في هذا السياق، لكن الفيلم يتناول حرب فيتنام ولا علاقة له بأية قضايا محليّة.

وأشار صادق الصباح، خلال مؤتمر صحافيّ عقده أصحاب دور العرض ومُوزّعي الأفلام السينمائيّة في نقابة الصحافة في بيروت، إلى ضرورة دعم القطاع السينمائيّ، نظراً إلى أهميّته وتأثيره في الاقتصاد اللبنانيّ.

اضاف أنّ The Post يتمحور حول ناشرة صُحف تتعاون مع مُحرّر لنشر وثائق سريّة في عهد الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون تكشف مُمارسات الولايات المتّحدة في حرب فييتنام، «ما يعني أن مضمونه، يتعلّق حصراً بحرب فييتنام ولا علاقة له بالنزاع مع العدوّ الإسرائيلي، وهو ما أشار إليه وزير الداخلية اللبنانية نهاد المشنوق».

لغة جديدة

وأوضح الصباح أن The Post صُنّف أفضل فيلم حول معركة الصحافة ضدّ السلطة، في وقت تواجه الصحافة في الولايات المتحدة الأميركيّة هجوماً وتُوصف بالكاذبة، معتبراً أن «مُقاومتنا إسرائيل والتطبيع تتطلّب لغة جديدة مبنيّة على الوعي»، ومؤكداً أنّ «لدينا من القدرة على المُقاومة الثقافيّة والفكريّة ومعرفتنا لتاريخنا ما يكفي لمُقاومة إسرائيل وهزيمتها».

وأشار الصباح إلى أن «The Post لو كان مُوقّعاً باسم شركة إنتاج إسرائيليّة أو مُخرجه إسرائيليّ الجنسيّة أو يحمل رسالة مُباشرة أو غير مُباشرة تدعو إلى التطبيع أو أيّ موضوع يُشكّل خطراً على مُجتمعنا لكنّا أوّل من دعم إيقافه».

تابع: «من واجبنا اليوم وضمن إطار احترام القانون، دعم قطاعاتنا الفنيّة لتبقى ثقافة الحريّة رمزاً للبنان وليبقى هذا القطاع أحد أعمدة الاقتصاد اللبنانيّ الأساسيّة. ولأنّ الفن هو ابن الوعي، فالحريّة في الفنّ لن تكون يوماً دعوة للرضوخ لسياسة التطبيع».

حلول ناجحة

وذكّر بأنّ عرض فيلم «مولانا» منذ بضعة أشهر تطلّب زيارة مُفتي الجمهوريّة اللبنانيّة للسماح بعرضه والمُوافقة على حذف خمس دقائق بدلاً من حذف 45 دقيقة، مُشدّداً على ضرورة النقاش والتفاهم للتوصّل إلى حلول ناجحة.

أخيراً، أكد ألا اعتراض لديه على مسألة المقاطعة ولكن منع عرض الأفلام يُكبّد خسائر ماديّة وينعكس سلباً على الاقتصاد اللبنانيّ، لا سيما أنّ الأفلام الأجنبيّة تُدفع حقوق عرضها مُسبقاً.

نتائج سلبية

في السياق نفسه، رأى مُدير عام «إيطاليا فيلم» كارلو فنشنتي أنّ الفيلم عُرض في 12 بلداً عربيّاً والدولة وافقت على عرضه، ويجب أن تكون المُطالبة بمنع العرض مدروسة، كذلك يجب مُناقشة مسائل عدّة قبل اتخاذ هذا القرار وسط انتشار القرصنة الإلكترونيّة وإمكانيّة الحصول على أيّ فيلم على أقراص مُدمجة أو من خلال مواقع إلكترونيّة، مؤكداً أن المُمانعة الشرعيّة لا تكفي وتكبّد خسائر للبنان وشركاته، ما ينعكس سلباً على اقتصاده.

صالات السينما

حول مُقاطعة أفلام المُخرج ستيفن سبيلبرغ الآن رغم أنه سبق وعُرض ما يُقارب 23 فيلماً لهذا المُخرج إنتاجاً أو إخراجاً تحديداً في لبنان بعد حرب العام 2006، اعتبر فنشنتي أنّ المُتضرّر الوحيد هو اللبنانيّ، لأنّ بطاقة السينما يتوزّع ربحها على المُوزّعين وأصحاب صالات السينما وعلى الدولة اللبنانيّة (وزارة الماليّة والبلديّات)، فلا ربح ماديّاً لأشخاص غير لبنانيّين من عرض الأفلام الأجنبيّة، خصوصاً أنّ الفيلم تدفع مُستحقّاته قبل مدة طويلة من تسليمه للشركات اللبنانيّة.

حل منطقي

حول تردّد صانعي السينما في شراء أفلام المُخرج ستيفن سبيلبرغ أجاب ماريو جونيور حدّاد، نائب رئيس مجلس إدارة شركة «أمبير إنترناشونال»، أنّ الأمر لا يتوقّف عند المُخرج سبيلبرغ بل يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، مُشيراً إلى أنّ أميركا تدعم إسرائيل مادياً، فهل يمتنع اللبنانيّون عن السفر إليها؟!

وانتهى اللقاء الذي شارك فيه عدد من الإعلاميّين إضافة إلى المُخرج فيليب عرقتنجي ومُمثلين عن شركة Warner Brothers بأمنيات أن يتمّ النقاش بين الأطراف المعنيّة للتوصّل إلى حلّ منطقيّ يُرضي الجميع.