في 25 يناير 1882 وُلدت كاتبة استثنائية اسمها فيرجينيا ستيفن، عُرفت فيما بعد باسم فيرجينيا وولف، عقب زواجها من الرجل الذي كان كتفاً اتكأت عليه في زمن مناهض للمرأة وحريتها. ما يميِّز وولف، هو خروجها عن الطريق الكلاسيكي، الذي اعتمدته الرواية الإنكليزية في عصر سابق لها، بغض النظر عن جنس الكاتب حينها. وما جعلها كاتبة مغايرة، هو اختيارها الطريق الأصعب، بعد طرح عالم النفس الشهير وليام جيمس لمفهوم "تيار الوعي" في الدراسة التي نشرها عام 1892 في مجلة "علم النفس".
لم تكن بالتأكيد فيرجينيا وولف وحدها تعمل على تيار الوعي الذي تحوَّل كأهم خط أدبي في القرن الماضي، بل كان يعمل معها أيضا روائيون احتلوا مكانا بارزا، وربما تفوَّقوا عليها؛ أدبيا وإعلاميا، كجيمس جويس ومارسيل بروست، لكن ما جعل فيرجينيا وولف أكثر شخصية مرموقة، هو إعادة اكتشافها من قبل الحركة النسوية. كتبت فيرجينيا وولف مجموعة من المقالات، من أهمها مقال بعنوان "أخت شكسبير" عن شاعرة متخيلة عاصرت شكسبير، ولم يكن بإمكانها أن تظهر قدراتها الأدبية، لأنها امرأة. هذه الأخت المفترضة عاشت اليوم، في زمن وولف، لتجد بعض المساحة والحرية، لتكتب أفكارها؛ شعرا ورواية. إنها المرأة المكبوتة منذ ذلك العهد، حتى اليوم، وهي المرأة التي نراها في العصر الحالي تحتل مكانا لا يقل، أدبيا، عن الرجل، وتتفوق عليه أدبيا في كثير من الأحيان.ما كان يميِّز فيرجينيا وولف، تلك القدرة الأدبية الرائعة في تجسيد ما يحتفي به الذهن، ولا أقول العقل، من تراكمات ومشاعر وأحداث وإعادة صياغتها، حتى ليجد القارئ عناء في قراءتها. علَّق مرة أحد القرَّاء على كتاب لوولف: "هذا الكتاب ليس لي، إنما لهؤلاء الذين يجلسون في قاعات المحاضرات". وربما يكون معه كل الحق، فقراءة وولف عصية، وربما قراءتها مترجمة إلى العربية تفقدها كثيرا من متعة السرد، مقارنة بقراءتها بلغتها الأم. وهو أيضا ما ينطبق على جويس، الذي عجز كثير من الدارسين عن ترجمته، وأمضى د. طه محمود فترة من عام 1964 حتى 1982 لترجمة العمل.الأقسى من حياة وولف ومناهضتها لاضطهاد المرأة وأدبها، هو إنهاء حياتها باختيارها. اختارت أن تنضم لمجموعة من الأدباء الذين أنهوا حياتهم لأسباب مختلفة. بعد أن أنهت عملها الأخير (بين الأعمال) عاشت ما يشبه الانهيار العقلي، جعلها لا تجيد كتابة أي شيء، حتى تلك الرسالة الأخيرة التي تركتها لزوجها. وكما فعل بطل الصخب والعنف لفولكنر بإغراق نفسه، أثقلت وولف جيوبها بالحجارة، وأغرقت نفسها في نهر "أوز" في 28 مارس 1941، ولم تكتشف جثتها إلا في 18 أبريل. تركت فيرجينيا وولف لقرائها مجموعة كبيرة من الأعمال التي أثرت بها المكتبة العالمية، كالسيدة دلاوي والأمواج وإلى الفنار، محافظة على خطها الحداثي في الرواية. وأنجز النقاد حولها مجموعة من الكتب والمقالات النقدية والنسوية المهمة في الأدب المعاصر. وفي حياتها ومماتها تعد من رموز النضال الأدبي للمرأة.
توابل - مزاج
ذكرى فيرجينيا وولف
28-01-2018