فشل سوتشي!
الورقة التي توصلت إليها الولايات المتحدة ومعها دولتان أوروبيتان هما فرنسا وبريطانيا ودولتان عربيتان هما الأردن والسعودية تستحق أن تنظر إليها المعارضة السورية والأطراف الأخرى المعنية بأزمة سورية بكل جدية، إذْ إن التدقيق فيها جيداً يظهر أنها بالنتيجة لا تختلف كثيراً عما جاء في القرارات الدولية وبخاصة قرار مجلس الأمن رقم 2254 حتى بما يتعلق بالفترة الانتقالية وبهيئة الحكم الانتقالي، بل إنه بالإمكان الذهاب بعيداً والقول إنها بكل ما جاء فيها أهم مما جاء في هذه القرارات الآنفة الذكر.جاء في هذه "الورقة" التي أحيلت إلى المبعوث الدولي دي ميستورا وطُلب منه أن يضغط على الحكومة السورية وعلى المعارضة على حدٍّ سواء والمفترض على الروس أيضاً، إجراء مفاوضات "جوهرية" لإصلاح الدستور السوري وإيجاد بيئة "آمنة" ومحايدة في سورية لإجراء انتخابات من دون خوف على أساس حملات انتخابية فعلية، وقالت الدول صاحبة هذه الورقة المذكورة إنها مستعدة لإعمار سورية "فقط" عندما يتحقق الانتقال السياسي الجدي والجوهري والشامل برعاية الأمم المتحدة وتنفيذ القرار 2254 وبيان جنيف وعندما تصبح هناك بيئة حيادية تسمح بالانتقال السياسي.
ولعل الأهم والأخطر أيضاً في هذه الورقة هو تقليص صلاحيات رئيس الدولة وإعطاء صلاحيات مطلقة لرئيس الوزراء تتعدى صلاحيات رئيس الجمهورية، وأيضاً إعطاء صلاحيات مماثلة للإدارات المحلية المقترحة وصلاحيات مستقلة للبرلمان، وهذا يعني أن بشار الأسد سيصبح رئيساً شكلياً إذا مرت هذه الورقة، وهي لن تمر لأن الروس بادروا إلى الوقوف ضدها ولأنهم منذ البدايات كانوا يعرقلون أي مفاوضات فعلية وجدية، لأن الحل الذي يريدونه يختلف اختلافاً جوهرياًّ عن حل جنيف ويلتقي مع تطلعات إيران بالسيطرة على هذه المنطقة .والحقيقة أن هذه الورقة، التي أبرزت تحالفاً دولياًّ وإقليمياً سيتفوق على التحالف الروسي– الإيراني ومعه نظام بشار الأسد، هي التي "قزَّمت" مهرجان سوتشي إن هي لم تنسفه من أساسه لمصلحة مسار جنيف وبخاصة القرار رقم 2254، ومع الإشارة هنا إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين الذي غاب عن هذا المهرجان لأن غياب "المعارضة" الفعلية عنه قد جعله تظاهرة "مسحوبة الدسم" وأجبر أصحابه على تحويله إلى "مهرجان" باهتٍ لولا مشاركة الأمم المتحدة فيه لتحول إلى مهزلة يتحاور فيها الروس مع أنفسهم ومع أتباعهم ومع حلفائهم الإيرانيين ومع "الميليشيات" المذهبية التابعة لهم.بقي الروس يلعبون وحدهم في الساحة السورية منذ تدخلهم العسكري المكشوف في هذا البلد العربي، وسبب هذا بالطبع هو رداءة أداء الإدارة الأميركية السابقة وارتباك الإدارة الجديدة حتى الآن، لكن أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً، والواضح من خلال هذه "الورقة" أن هذا التحالف الخماسي الذي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن والسعودية ذاهب في هذا الشوط المستجد حتى النهاية، مما يعني أن معادلات كثيرة في سورية وفي هذه المنطقة سوف تتغير ويصبح أمام موسكو خياران، فإما مواصلة ما كانت بدأته وإما الاكتفاء بالحد الأدنى، وإلاّ فإن الثمن غالٍ في القرم وأوكرانيا وفي بعض دول البلطيق وربما في بعض الكيانات والجمهوريات الإسلامية.