يرى الكاتب الكبير بشير الديك أن من الطبيعي أن يتفاوت نجاح مسلسلات الجاسوسية بحسب جودة كل منها، والأمر لا يتعلق بتوقيت العرض أو الجمهور أو حتى نوع الدراما، فأي عمل جيد يُحقق النجاح والعكس صحيح.يضيف: "يُقدِّم أحد الصانعين عملاً يتناول قضية قومية، وبعد نجاحه يتحوّل الأمر إلى ظاهرة وتُطلق مسلسلات عدة، ما يؤدي إلى حالة تشبع لدى الجمهور".
الديك يشرح أنه قدّم "عابد كِرمان" عن كتاب "كنت صديقاً لديان"، ولكن قبل العرض بأيام حذف جهاز المخابرات شخصية "موشيه ديان" بالكامل من العمل، وطبعاً أثّر ذلك سلباً في مستوى المسلسل. إلا أن "حرب الجواسيس"، بحسب الكاتب، حقّق نجاحاً كبيراً عند عرضه، وظهرت بعد ذلك أعمال عدة لم يشعر بها الجمهور لأنها كانت غير جيدة.يتابع أن تناول الجاسوسية في السينما أفضل مقارنة بالدراما، مثل "الصعود إلى الهاوية"، وهو أول الأفلام التي تناولت هذه الظاهرة، وكان جيداً على المستويات كافة وحقق نجاحاً لافتاً.ويوضح أن السينما تعتمد على الصورة والتكثيف، في حين أن الدراما التلفزيونية تستعين بالحوار الطويل والأحداث البطيئة، خصوصاً مع ظاهرة عدد الحلقات الكثيرة، وهو ما لا يناسب إيقاع عمل تشويقي عن المخابرات والجاسوسية. "كذلك لدينا جميعا حالة من الحنين إلى الأعمال القديمة، نحبها ونعيش معها فترة ونرفض الجديد مؤقتاً".
قرارات عليا
ترى الناقدة ماجدة خير الله أن ظهور أعمال الجاسوسية مرهون بقرار من الأجهزة التي تمنح الموافقة للصانعين، وتقدِّم كثيراً من الأسرار والتفاصيل عن هذه القضايا، من ثم توقيت العرض مرتبط بمؤسسات الدولة التي ربما تجد أن هذا الموسم أو ذاك مناسب لتقديم أعمال تبثّ روح الانتماء والوطنية لدى الشباب، من خلال الحديث عن انتصارات الدولة على المستويات كافة، مخابراتية وعسكرية ودبلوماسية.وتضيف خير الله: "تتعدّد أسباب فشل هذا المسلسل أو ذاك، من بينها الكتابة غير الجيدة، كذلك التقديم، فضلاً عن عدم تطوّر التفاصيل وطرائق خداع العدو وتجنيد العميل... فكلها مُكررة. أما الحوار فيأتي غالباً مليئاً بالشعارات الرنانة والمبالغات الحوارية، ما يجعل المشهد أقرب إلى الكوميديا، خصوصاً أن جمهور اليوم تغيَّرت لغته وشاهد مختلف أنواع الدراما الأجنبية، ولم تعد الجمل الإنشائية الحماسية تنال إعجابه».السبب الثاني، بحسب خير الله، أن الأعمال تتحدث عن بطولات ضد العدو الأول لنا، في حين أن البعض في الواقع أصبح يتحدث عنه كحليف وليس عدواً. والسبب الأخير أن الجمهور ملّ الحديث عن الماضي وإنجازاته، ويريد أن يرى ما يمثِّل حاضره ومستقبله.فخ التقليد
أكّد الناقد نادر عدلي أن إخفاق الأعمال التي تتناول الجاسوسية، على عكس "الهجان" و"الشوان"، راجع إلى أن المسلسلات الحديثة كانت تقليداً ومحاكاة لهذين العملين والتقليد لا ينجح أبداً، فضلاً عن غياب أهم عنصر وهو الكتابة الجيدة التي تعتمد على التشويق والإثارة، ومن يكتب نصوصاً اجتماعية يعجز عن كتابة أعمال مخابراتية بحرفية صالح مرسي وآخرين، لديهم خبرة في هذا النوع من الدراما.يضيف عدلي: "تكون قصة هذه الأعمال ونهايتها معروفتين إلى حد كبير، من ثم جزء كبير من شغف المتابعة انتهى تقريباً لدى الجمهور، خصوصاً مع تكرار تقديم هذه المسلسلات".ختم: "عندما عُرض "الهجان" و"الشوان" كانت المنافسة مع الأعمال الدرامية الأخرى أقل، من ثم فرص النجاح كانت أكبر مع الأخذ في الاعتبار المستوى الفني الجيد لهذين العملين. أما الآن فالمنافسة أصبحت أصعب مع المسلسلات الكثيرة المتنوعة الموضوعات والمستوى الفني، مع الأخذ في الاعتبار ضعف الأعمال المخابراتية نصاً وإخراجاً وعدم التطور في التفاصيل".