الإمبراطوريتان العثمانية والفارسية من جديد!
عندما اضمحلت الدولة العثمانية وبدأت بالتقهقر والضعف بدأ التغلغل الاستعماري الاقتصادي والسياسي في الوطن العربي، خصوصا في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، واليوم تتدهور أوضاع الوطن العربي نتيجة للحروب الأهلية الاثنية، وتدخل دول الإقليم غير العربية مع التدخل الخارجي، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه لكن ليس بالأساليب والأدوات نفسها، وأصبح أكثر تشظياً وتشرذماً إلى درجة أن دول الجوار مثل إيران وتركيا تتجرأ على الاختراق والتدخل، ولا أحد في الدول العربية قادر على وقف ذلك أو منعه. المسألة لم تعد مصالح دول غربية وإسرائيل فقط، بل هي تمدد إقليمي من إيران وتركيا وإسرائيل على حساب العرب حتى أصبحت الأرض العربية مستباحة، ومخترقة، ومجالاً للتمدد الإيراني والتركي إلى درجة التفكير بأحلام الإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية، ووصلت الجرأة حداً بأن قيادات إيرانية وتركية تجول وتصول في طول بعض الدول العربية وعرضها عسكرياً، وكأن هذه الدول محافظات تابعة لها، خصوصا بعد سقوط الدولتين العراقية والسورية منذ ثورات الربيع العربي، حتى الآن. لقد فرحنا بقيام ثورات الربيع العربي، ولكن سرعان ما خاب أملنا بعد تحولها إلى ثورات (الخريف العربي)، فقامت الحروب الاثنية العرقية والطائفية، ودعمتها التدخلات الخارجية خصوصا الإيرانية والتركية، وتم ولا يزال تدمير العراق وسورية وليبيا واليمن، وأصبح المجال مفتوحاً لسياسات الهيمنة الأميركية والإسرائيلية للسيطرة على فلسطين كاملة بما فيها الأراضي المحتلة عام 1967م، ويحتاج الوطن العربي عشرات السنين حتى يعاد بناء دوله لتعود كما كانت، والحمد لله أن بعض الدول العربية المهمة مثل مصر وتونس لم تسقط على الرغم من المحاولات الإرهابية والمؤامرات عليها.
لقد دخل الوطن العربي حالة التطرف والإرهاب، وأصبحت بعض دوله مصدراً لصناعة التخلف وتصديره، وفي عصر حقوق الإنسان يدمر ويُعذب ويهان هذا الإنسان، ويتفرج العالم المتقدم المتحضر على مأساة تدمير الحياة الإنسانية في الوطن العربي، ومادام العرب أنفسهم غير غيورين على مجتمعاتهم في الحاضر والمستقبل فلم يجدوا من هو أشد غيرة على حياتهم وشعوبهم، أما الذين يعتبرون مثل هذا الكلام صادرا من الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة فنقول لهم دعكم تغوصون في ثقافة التخلف، وأنتم جزء من هذا الوضع المتردي، وأحد أسبابه، ولكن يبقى السؤال قائماً ما العمل؟لا بد من العودة للفكرة القومية ونقدها، وإعادة النظر في مقوماتها، ولابد من العودة لمشروع المقاومة وإعادة النظر في مقوماتها والاستفادة من التجربة التاريخية، ولا بد من العقلانية العلمانية والليبرالية حفاظاً على الدين، والمجتمع، ولابد من تجديد الفكر العربي، وفي بعض جوانبه لابد من فكر جديد يتخطى التوفيقية وغيرها من الأطروحات المخدرة التي جربتها شعوبنا، ولم تحقق التقدم ففقدت أصالتها كما فقدت المعاصرة. إن صناعة النهضة غير ممكنة إلا بفكر ثابت على أساس استراتيجي يُغير الواقع كما حدث في أوروبا في عصر التنوير، وما ترتب عليه في العصر الحديث.وعندما يحدث ذلك فلا مجال للتمدد الجديد إقليمياً على حساب العرب، المشكلة أن بعضنا يفتخر باستدعاء القوى الإقليمية والدولية لحمايته وبهرولة من البعض في الوقت الذي كانت فيه القوى الاستعمارية في السابق تهرول نحونا للهيمنة السياسية بعقد الاتفاقيات، أو بالهيمنة العسكرية بإقامة القواعد العسكرية، فوفرنا على تلك القوى ذلك الجهد باستدعائها جهاراً نهاراً، وسورية مثال وساحة لروسيا وتركيا وإيران وغيرها كذلك، وكل ذلك يحدث وإسرائيل تراقب، وتخطط للخطوات التالية.