«رغدة متوحشة»!
أهم ما يلفت النظر في فيلم «رغدة متوحشة» عنوانه، الذي يضرب أكثر من عصفور بحجر، فمن ناحية يتلاعب بعنوان الفيلم الشهير «رغبة متوحشة» (1992)، ومن ناحية أخرى يُلخص شخصية البطل الذي اختار لنفسه اسم نجمة من نجمات السينما العربية هي «رغدة»، بالإضافة، ثالثاً، إلى أنه يعكس بدرجة كبيرة مضمون الشخصية الدرامية الخشنة، التي اضطر فيها البطل إلى تقمص شخصية امرأة متوحشة وقع الاختيار عليها لتكون واجهة حملة إعلانية ضد التحرش!فكرة طريفة مأخوذة عن قصة كتبها علي غالب وصاغ لها السيناريو والحوار لؤي السيد وأخرجها محمود كريم، الذي عرفناه سابقاً بفيلم «ياباني أصلي» (2017) تأليف لؤي السيد أيضاً، وإن حاكت في ظاهرها بعض الأفلام التي تضطر فيها الظروف البطل / الرجل إلى ارتداء مسوح المرأة، كما فعل عبد المنعم إبراهيم في فيلم «سكر هانم» (1960)، ومحمد صبحي في مسرحية «الجوكر» (1979)... وغيرها كثير. لكن «الحبكة» تبدو منطقية، ومتقنة، ومبررة، إذ يفشل البطل «إسماعيل» (رامز جلال) في توظيف مهارته في المؤثرات الخاصة، وتقوده المصادفة إلى أداء دور «رغدة»، التي يرشحها مخرج الإعلانات «أدهم» (بيومي فؤاد)، لتكون بطلة حملته ضد التحرش، في تأكيد واضح على زيف هذه الحملات الإعلانية، وإيحاء بفجاجة توجهها، وازدواجية القيَمين عليها، حيث يبدو مخرج الحملة مثالاً صارخاً للمتحرش/ المريض، الذي لا يألو جهداً في الإيقاع ببطلة حملته!
نجح كاتب السيناريو في إضفاء مصداقية على شخصية «إسماعيل»، الذي يكره «الماكياج»، لكنه لا يجد عملاً في مجال تخصصه (المؤثرات الخاصة)، وتجبره ظروف طلاقه وزوجته (نسرين أمين)، التي تسافر إلى دبي، تاركة طفلهما، الذي يتعلم في مدرسة خاصة تُطالبه بسداد مصاريف الدراسة الباهظة، إلى الموافقة على المشاركة في الحملة المناهضة للتحرش. ويملك المخرج من الذكاء والفطنة ما يجعله يُحسن اختيار طاقم التمثيل، خصوصاً الممثل الشهير حمدي الوزير، الذي ينظر إليه كثيرون بوصفه «أيقونة التحرش»، بعد دوره الشهير في فيلم «المغتصبون» (1989)، ليتحرش بالبطلة «رغدة»، التي يلمع نجمها، وتنهال العروض عليها، ما يتسبب في توريط «إسماعيل»، الذي يقع في غرام «رانيا» (ريهام حجاج) العقل المُبدع للوكالة الإعلانية، ويسعى إلى امتلاك قلبها، مستغلاً ولعها بظاهرة «تلاقي الأرواح»، وطلاقها من زوجها الإيطالي، بعد إنجابها الطفلة «ملك»، التي يستثمرها البطل لتوطيد العلاقة، من خلال الزج بطفله «سليم» في طريقها!تتعدّد المواقف الكوميدية، والمآزق الطريفة، التي يواجهها البطل مع جارته «يسرا» (انتصار) وزوجها الغيور (أحمد فتحي)، ومخرج الحملة «المتحرش» بطبعه، مع استحالة حضور «إسماعيل» و«رغدة» في مكان واحد، وتتسم العلاقة بينه وابنه بعذوبة تفضح صرامة الأم الغائبة، وغلظة تربيتها، وتناقض طباعها مقارنة بالأب الديمقراطي، كما تتسم شخصية مدير الإنتاج «جريشة» (محمد ثروت) بطرافة محببة. لكن يفشل المخرج في السيطرة على بعض المشاهد، التي يعلو فيها الضجيج والصراخ على أداء رامز جلال، فضلاً عن ترهل بعض المواقف (مونتاج عمرو عاصم)، بسبب التكرار، وتعطل التدفق، والحشو، كما في قصة طلاق «رانيا» من زوجها الإيطالي، والإساءة غير المبررة إلى الإيطاليين، والزج بشخصيات لا تضيف إلى الخط الدرامي، كما شخصية دكتور علم النفس «ماهر» (سامي مغاوري)، الذي ينتهز فرصة سفر زوجته ليقيم علاقات جنسية مع الخادمات، والمشاحنات المفتعلة بين الجارة وزوجها الغيور، الأمر الذي يُسهم في تراجع جرعة الكوميديا بدرجة كبيرة، ويُضفي على الفيلم جدية ليست في محلها ولا مكانها!كان «رغدة متوحشة» بحاجة إلى معالجة من نوع آخر تحتفظ له بطزاجته، وطرافته، وتنزع عنه جهامته، خصوصاً في الجزء الذي وقع فيه الخلاف بين «رانيا» و«إسماعيل»، بعد فضح خدعة التنكر في ثوب «رغدة»، وهي التي طلبت سابقاً الطلاق من زوجها الإيطالي، لاعتياده الكذب والخيانة، فالخلاف أفسد مسار الأحداث، والصلح بينهما جاء ملفقاً، كالتلفيق الذي جاء عليه اعتراف «إسماعيل» في المؤتمر الصحافي، كذلك مشهد النهاية الذي عاود فيه البطل التنكر في صورة الجد ليصالح «رانيا»، وبدا وكأنه «مقلب» من المقالب التي اعتادها رامز جلال في برامجه التلفزيونية التي كانت سبباً في ذيوع صيته وشهرته، وكان عليه أن يكون واعياً بأن الفارق كبير بين «الفيلم» و«المقلب»!