أمر غريب وعجيب ما يحدث في وطني، فبينما كان وزير المالية، د. نايف الحجرف، يعلن تقديرات الميزانية الجديدة للدولة (2018/ 2019) بعجز يقدر بـ 6.5 مليارات دينار، أي ما يجاوز الـ 20 مليار دولار، كانت لجنة الشؤون التشريعية والقانونية البرلمانية، في مبنى مجلس الأمة، وعلى بعد مئات الأمتار منه، ترفض إقرار ضريبة أو رسوم على تحويلات الوافدين إلى الخارج، التي قدرت في عام 2016 بـ 3 مليارات دينار، أي ما يزيد على 10 مليارات دولار."التشريعية" رفضت تلك المقترحات بحجة عدم الدستورية!... ويعلم الجميع أن من السويد حتى أستراليا هناك دول دساتيرها أكثر ديمقراطية ومساواة وتطوراً من دستور الكويت، ولكن لا يمكنك أن تحوّل منها للخارج بنساً واحداً دون أن تكون قد سددت ضرائبك ورسوم التحويل، فلا يمكنك أن ترسل من ألمانيا أو فرنسا أو إسبانيا أو بلجيكا أو الولايات المتحدة أموالاً إن كنت ملاحَقاً بسبب عدم تسديدك الضرائب، وأنا شخصياً أقمت لفترة في دولة أوروبية، وكانت الضريبة التي أسددها عن عقد إيجار العقار والخدمات أعلى مما يدفعه جاري المواطن الأوروبي.
نعم أنا مع مساواة الرسم أو الضريبة على التحويلات الخارجية بين المواطن والوافد، لأن الكويتي الذي يجني أموالاً من البلد ويرسلها للخارج يجب أن يسدد حقوق وطنه عليه، وفي معظم دول العالم لا يعفى من ذلك سوى المستثمر الأجنبي الذي يوظف ويخلق وظائف لأبناء البلد، ولكن لفترات سماح محددة وليس لأجل مفتوح، لذا فإن الوضع في الكويت الذي يخدم مصالح كبار المتنفذين بالسماح لعمالتهم بتحويل أموال دون رسوم وضرائب حتى لا ترتفع كلفتهم عليهم، والموافقة لهم على تحويل مئات ملايين الدنانير إلى الخارج دون كلفة هو جريمة بحق البلد.كان يجب على اللجنة التشريعية أن تتحلى بروح المسؤولية، وأن تعدل القانون وتجعله متوافقاً مع الدستور، رغم أنني مؤمن بأن فرض رسوم على التحويلات الخارجية لا يتعارض مع الدستور إطلاقاً، وأن مستشاراً وافداً -في الغالب- سطر هذه العبارات التي تبناها أعضاء اللجنة.وهناك تساؤل مستحق للنواب: فإذا رفضتم الضرائب التصاعدية على الأثرياء والرسوم على التحويلات الخارجية... فما هو الحل؟ الحل معروف، وهو لجوء الدولة إلى ضريبة المبيعات على الفقراء والطبقة المتوسطة وزيادة رسوم الخدمات، بينما تبحث وزارة الكهرباء في دفاترها القديمة لتجد مبررات لرفع رسومها، كما فعلت في رسم إيصال التيار الكهربائي لمنازل السكن الخاص.نعلم أيضاً أن تقديرات الميزانية الجديدة فيها كثير من المبالغة لتضخيم العجز، ولا تتضمن إيرادات الاستثمارات الخارجية، واستمرار خصم الـ 10 في المئة للأجيال القادمة الذي يجب مراجعة قانونه وتجميده خلال سنوات العجز، إضافة إلى أن سعر برميل النفط يتجاوز منذ شهور الـ 60 دولاراً، وهو ما يزيد كثيراً على احتياجات الميزانية، ولكن حقيقة الأمر أن هناك تحديات تواجه صناعة النفط ومستقبلنا تجب مواجهتها عبر تنويع مصادر الدخل وفرض الرسوم والضرائب على المقتدرين والمستفيدين من ثروة البلد... ولذلك أقول للنواب واللجنة التشريعية على وجه الخصوص: بالله... وتالله، ترى هذا وطنكم!
أخر كلام
«التشريعية»... والله هذا وطنكم!
01-02-2018