الشاعرة نهلة كبارة قرحاني: لن أختبئ وراء الكلمات
متمردة على العادات والتقاليد البالية التي تحط من قدر المرأة
حول ديوانها الجديد «خربشات أنثوية» وتجربتها الشعرية كان الحوار التالي معها.
«خربشات أنثوية» ديوانك الأول أصدرته اليوم بعدما قطعت شوطاً كبيراً في الحياة والتجارب، لماذا اخترت هذه المرحلة من عمرك لإصداره؟
أنا لم أختر التوقيت لإصدار خربشاتي. ثمة عوامل دفعتني إلى ذلك. بصراحة لم أفكر قط في نشر ما أكتب ولم تكن الظروف مؤاتية. فمن سيقرأ؟ ولا مؤهلات لدي سوى شغفي بالقراءة وعشقي للغة العربية. كتبت كثيراً ومزقت كثيراً وتألمت لأن مع كل تمزيق ورقة كانت نفسي تذهب حسرات عليها. لكن مع دخولي عالم الإنترنت والـ«فيسبوك» وجدت من يتابعني ويشجعني. ثم التقيت الدكتور أسامة ظافر كبارة، أستاذ الإعلام في جامعة الجنان، وله يرجع الفضل في هذا الإصدار. قرأ ما أكتب وكانت المفاجأة أن سألني إن كنت أحب أن أصدر كتاباً. ضحكت يومها من قلبي وبدأت أحرف تنساب على ورق مضمخ بالدموع فرحاً ورهبة وخشية.
توحي كلمة خربشات بالطفولة فيما القصائد من وحي خريف العمر، ألا تعتبرين أن الزمن لا مكان له في الشعر وأن القصيدة لا عمر لها؟
في مراحل الحياة كافة جميعنا يخربش. لا أعتبر نفسي شاعرة ولكن وجدانية، وليس في العمر خريف وربيع، ثمة حياة نحياها بألم وسعادة بفرح وحزن. من خلال هذه التجربة أردت الإضاءة على هذه المرحلة العمرية العميقة الخبرة والمعطرة بأحلى الأحاسيس ويستهين بها الجميع. فتشت عن كتاب يتحدث عن هذه المرحلة العمرية ولم أجد! فقمت ببحث منفرد وسألت كثيرات وحكين لي أحلى المشاعر. في هذا العمر يكون العطاء بأوجه.همسات متمردة
قصائدك همسات متأججة لامرأة شرقية لكنها متمردة تنبض عنفواناً، ترسم الحب من دون خجل، هل يمكن اعتبارها بوحاً أنثوياً لأحلام قد لا تتحقق؟
وهل كوني شرقية وفي عمري ممنوعة من أن أعبِّر؟ نعم، أنا متأججة المشاعر ولا أنكر. نعم، متمردة على العادات والتقاليد البالية التي تحط من قدر المرأة التي كرمها الله في سورة «النساء»، وإن تجرأت وكتبت في الحب الذي هو أحلى المشاعر، وهل الحب هو رجل فحسب؟ الحب هو الإنسان، هو الروح في جسد فانٍ، هو السمو. من لا يشعر بالحب فقد الكثير من فطرته التي أودعها الله في كل مخلوقاته. الحب هو أنت وأنا، هم وهن، هو ذاك الطائر المغرد، سواء تحققت الأماني أم لم تتحقق. في عمري هو أصدق أنواع الحب المتفهم المتفاني، وما أجمل أن يعيش الإنسان مشاعره في أية مرحلة عمرية.إلى أي مدى تشكل القصائد وقفة مع الذات، ومراجعة لها؟
القصائد وقفة تأملات، رسائل للرجل قبل المرأة وللشباب والصبايا، هي لتغيير المفاهيم في إطار شعري مخربش.ثمة جرأة في التطرق إلى قضايا تمس جوهر الوجود والمرأة، فهل منبعها الثورة على كل ما يجري من حولنا من أزمات وبشاعات؟
بالطبع أتأثر بالأحداث من حولي فنحن بشر وما يحصل على الأرض من بشاعات وجرائم يندى لها الجبين. في صباي تأثرت بالثورات في دول أميركا اللاتينية حيث أمضيت 14 سنة من عمري وتأثرت بأدبها وشعرائها. كانت أشعار هذه الشعوب ملتهبة بمشاعر الحب والثورة والتوق إلى الحرية.معظم النساء لا يعرفن حقوقهن وهذا موضوع يطول شرحه. صراحة أنا متأثرة بحياة الرسول عليه الصلاة والسلام وبحياة الصحابة والصحابيات الذين مارسوا الحرية وعرفوا ما هو الحب الحقيقي، طبعاً، في ظل المسموح شرعاً وهو كثير. ومن يقرأ سيرهم يعلم ما أقول.رومانسية وألم
تجربتك الأدبية عنوانها العريض الرومانسية، لماذا اخترت هذا النوع بالذات وهل يعكس شخصيتك؟
أعتقد أني ولدت رومانسية، وفعلاً أحب كل ما يمس المشاعر وأكره كل ما يجرح من شعر أو نثر وما يتعرض لمفاتن المرأة أو السخرية.في قصائدك ألون من الفرح وأخرى من الكآبة، من الانطلاق وأخرى من الإحباط، فهل هي صورة عن حياتك؟
كلنا نعيش هذه التقلبات وأحياناً في اليوم الواحد. نعم، فشلت ونجحت ومسّني بعض العذاب وقاومت. أحياناً، ثمة ظروف تفرض علينا. مثلاً كنا مستقرين في الكويت وسعداء وهناك أنجبت أولادي. وفجأة، حرب الخليج الأولى والنقلة والعودة إلى لبنان الذي كان في عز الأزمات... ذلك كله ترك أثراً ما. كانت المعاناة في تربية الأولاد والتأقلم مع أجواء تركتها تقريباً عقدين ونصف العقد ما سبب لي انهياراً تاماً، وهذه حال كل من عانى من تلك الحقبة أيضاً.يوصل الألم في قصائدك إلى الإيمان ومناجاة الله، فهل لالتزامك الديني دور في قناعتك هذه أم اكتسبتها من تجارب الحياة؟
بعد الانهيار والعودة إلى الحياة بفضل الله عز وجل تحوّلت إلى حفظ القرآن ومعه قراءة التفاسير من مصادر مختلفة، ما جعل مني إنسانة مطمئنة وجلة وقانتة محبة عاشقة. نسيت الإساءات، وتصافيت مع ذاتي أولاً ثم مع من حولي. تعاملي مع كلام الله أكسبني راحة نفسية متناهية وطلاقة لغوية لا بأس بها.تهربين في قصائدك إلى الطبيعة وتحملينها كثيراً من الحنين والشجن إلى زمن ما أو أشخاص أو مواقف معينة. ما سر هذا التفاعل القوي بينك وبينها؟
الطبيعة هي ذاتي حتى أسموني عاشقة الورد. ولماذا الهروب؟
بل هو انطلاق الروح مناجية جمال خلق الله جل جلاله. هو بوح من نوع آخر، هو توق إلى الجنة وما تمثله. أحب هذا النوع من التفاعل. هو التعبير بحرية إلى آخر مداها.هل الكتابة لديك حفظ ذكريات من الزوال أم متعة أم ملجأ للراحة النفسية بعيداً عن مشاكل الواقع؟
الكتابة متعة وراحة. كانت نبراسي ودفعتني إلى إخراج كوامن نفسي التي دثرتها السنون. الذكريات طويتها مع الأوهام. بعضها أخرجها كنوع من الدرس. عموماً، على مر العقود نكتسب أفكاراً وعناوين مختلفة عن السابق أحببت تدوينها بقالب عاطفي أسميته أنت متأججاً، فأنا أحيا وأنا أنثى وأم وزوجة وجدة وعاشقة ولن أختبئ وراء الكلمات. لا أحب تعبير «الهروب» لأنه يعكس نفسية خائفة وغير سوية. الله سبحانه وتعالى خصني بنعم لا تعد ولا تحصى. فلم الهروب؟