الحرب الباردة... قادمة!
لم يتوقف الأميركيون عند إفشال "مهرجان" سوتشي، الذي استورد له الروس من سورية أكثر من ألف مصفق و"هتَّاف وشتَّام"، بل إنهم ذهبوا بعيداً، بإصدار قائمة عقوبات طويلة جداً ضمَّت 114 مسؤولاً روسياً كبيراً و96 رجل أعمال، ومن بين هؤلاء، زيادة في التطاول والاستفزاز، رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، ووزير الدفاع سيرغي شويغو، ورئيسة مجلس الاتحاد الفيدرالي فالنتينا ماتفيينكو.ولعل مما يشير، ولا يؤكد، إلى أن المستهدف بهذه الخطوة الاستفزازية، هو فلاديمير بوتين نفسه، أن هذا الإجراء جاء عشية الانتخابات الرئاسية الروسية التي عقد لها الرئيس الروسي مهرجان سوتشي، الذي لم يكن عتيداً، وجاء صفعة لموسكو قوية وشديدة، وبدأ بداية مأساوية، وانتهى كذلك.وهنا، فإن الواضح، من خلال كل هذا الذي فعله الأميركيون، أن هناك احتمالاً لعودة الحرب الباردة، التي من المعروف أنها تراجعت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وإفشال محاولات إنهاء عالم القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب.
وهذا يعني، إن صحَّت هذه التقديرات، وأغلب الظن أنها صحيحة، أن ساحات الصراع في هذه المواجهة لن تقتصر على الساحة السورية، وأن الحرب الباردة قد تتحوَّل، ومنذ البدايات، إلى مواجهات ساخنة، إن لم يكن إلى حروب فعلية، كالحرب الفيتنامية، وقبلها الحرب الكورية، ولاحقاً الحرب الأفغانية. وحقيقة، إن كل شيء جائز، حتى إن تم إسقاط هذا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال تسعة أشهر، كما وعد جون كيري الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) في رسالته الأخيرة.والسؤال هنا هو: هل يا ترى العودة للحرب الباردة في مصلحة العرب، حتى إن تحوَّلت هذه الحرب إلى حرب ساخنة، إن مباشرة، وإن بطرق ملتوية، تكون الدول الصغيرة والشعوب الفقيرة ضحيتها، وحطب نيرانها المدمرة والحارقة، كما حصل في فيتنام وأفغانستان، وفي دول أخرى كثيرة ومتعددة؟!حقيقة، إن تجاربنا المُرَّة فعلاً علَّمتنا أن أي حرب، سواء أكانت باردة أم حامية، ليست في مصلحة العرب ولا شعوب ودول العالم الثالث، لأننا وهُمْ سنكون وقود هذه الحرب، وسندفع ثمنها غالياً. لكن مع أن هذه حقيقة مؤكدة، ولا شك فيها، فإن تجاربنا وتجاربهم، أي شعوب العالم الثالث، علَّمتنا أيضاً أن التفاهم واستقرار الأوضاع بين المعسكرات الكبرى لن يدفع ثمنهما إلا المستضعفون في الأرض، وهذا ينطبق أيضاً على المواجهات الساخنة والحروب... ونسأل الله أن يشمل برحمته الذين "اخترعوا" فكرة دول عدم الانحياز، التي وصلت الانحيازات بعد اختراعها إلى غيوم السماء!