الألم صديقي
كيف تكون لدينا مناعة ضد هذا العالم المتوحش وخيبات الأمل المتكررة التي قد تأتينا من أحب الناس إلينا؟ كيف نحمي القلوب الغضّة الطرية من التيبس والتبلد، والنزيف تحت سطوة سكاكين الألم؟ هل العزلة وتجنب الخوض في الحياة خيرٌ لنا؟ أم هل في الألم دروس وحكمة دفينة لا يلتفت إليها سوى أولي الألباب؟الألم هو رفيقنا في هذه الحياة الموحشة، هو التربة الخصبة التي تغذي جذورنا، فيغدو نبتنا أكثر بهاءً وازهاراً، هو المطرقة الساخنة التي تصقل الشخصية، فتعيد تشكيل جوانبها المنقوصة، فالألم ضيفٌ ثقيل يأتينا على حين غفلة، هو كثير التدخل والانتقاد، لكن ذاك الكهل المشؤوم يمتلك الكثير من الحكمة والمعرفة التي قلّما يصغي إليها أحد، فالحقيقة لا تروق لآذان البشر.صادق الألم، واستمع إلى همسه، فهو سيصل بك إلى صميمك لا محالة، وبإمكانه أن يعالج جذر المشكلة إن سمحت له بذلك، لا تترك آلامك تمر مرور الكرام دون تفحصها، فتتكرر المعاناة من جديد.
مصدر الكثير من آلامنا هو توقعاتنا من الآخرين والحياة، فلا يعقل أن تسير جميع ظروف الحياة وأمزجة الأشخاص كما نريد ووفقاً لصورتنا المثالية لما يجب أن تكون عليه الأمور، ولا بد من تفهم الطرف الآخر ومعرفة وجهة نظره كي نحافظ على الود والاتزان في العلاقات الإنسانية. داوِ جروحك بنفسك فهذه عتبة النضج، وتذكر قوة التجدد الكامنة في شمس الغد. "كن كالماء يا صديقي" حكمة "بروس لي" الشهيرة تحثنا على المرونة، واخلع عنك رداء المقاومة واسمح للأشياء أن تنمو وتسير بطريقتها الطبيعية، وأعط الأشخاص فسحة أن يكونوا أنفسهم، سيزيح ذلك عنك وعن أحبابك هماً كبيراً وستجري حياتك بسلاسة وسلام، بل قد تفوق الأحداث أفق توقعاتك البشرية الضيقة، فيصبح الواقع أكثر جمالاً عندما نسمح له– ببساطة- أن يكون.كيف نفتح قلوبنا على مصراعيها من جديد- ما بعد الألم- متجردين بذلك من الخوف؟ تلك هي الشجاعة الحقيقية."لا يمكن لشجرة- كما قيل- أن تعلو إلى السماء ما لم تنزل جذورها لتصل الجحيم" (كارل يونغ).