لماذا ما زلنا في سورية؟
مع استمرار جهودنا الحربية في سورية كأنّ إدارة الولايات المتحدة بقيادة ترامب تدعو الكارثة الى ديارنا، فقد رفض الكونغرس الأميركي السماح بقيام تدخلٍ عسكري في سورية عام 2013، ومع ذلك أرسلنا قواتٍ خاصة إلى هناك، وسمح الكونغرس لاحقاً بتدخلٍ أصغر ضد "داعش"، وتمّ دحر التنظيم الإرهابي بعدما غيّر ترامب قواعد التدخل، وتبنى الأخير نجاح العملية المنقطع النظير، وألحقت قوات الأسد المدعومة من روسيا هزيمة بمعظم قوات المعارضة. والآن وقد انتهت العملية بأسرها يمكن لقواتنا أن تعود الى ديارها، خصوصاً أن الشعب لا يسمح لممثليه بإطلاق عملياتٍ عسكرية جديدة، فخلال الأسبوع الماضي، وفي خطاب ألقاه أمام معهد هوفر، كشف وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون عن سياسة أميركا الجديدة في الحرب الأهلية السورية، ويبدو أننا سنبقى هناك وسنحاول إنجاز كل ما فشلنا في تحقيقه في السنوات السابقة، وسنتخلص من "داعش" و"القاعدة" معاً، ثم سنحل النزاع بين الأسد وخصومه، وسنخفف من النفوذ الإيراني في المنطقة، ونجعل البلاد أكثر أماناً لعودة اللاجئين، وسنتأكد من عدم وجود أسلحة للدمار الشامل في المنطقة. وسنقوم بذلك من دون الحاجة الى موارد كبيرة، نعم سنتخلص من مشكلة سورية هذه رغم أن حلفاءنا في المنطقة أكثر انقساماً من أي وقتٍ مضى، فقبل سنوات رفض الكونغرس الأميركي والبرلمان البريطاني تأييد توافق النخبة على تغيير النظام في سورية، ولا شكّ أن تدخل روسيا لدعم الأسد كان له قوة إقناع خاصة في هذا الاتجاه، وهكذا تم إدراك أنّ "المتمردين المعتدلين" كانوا متفرّعين من "القاعدة".
ومع هذا كله يخبرنا تيلرسون أنّ السياسة الأميركية تحتمّ الانخراط في التخطيط لمرحلة "سورية ما بعد الأسد"، وأشار تيلرسون إلى أنّ "الجهود الأميركية السابقة لوقف الحرب في سورية قد باءت بالفشل"، لعلّ السبب الأول وراء ذلك هو أنّ هذه الجهود لم تكن قانونية، أي أنّها لم تحصد شرعية الشعب، لا بل تمّت من دون أيّ دعمٍ من الشعب الأميركي. طبعاً استغل الرسميون الإذن الذين حصلوا عليه في عام 2001 لاستخدام القوة العسكرية ضدّ القاعدة، وحوّروا هذا الإذن إلى إذنٍ بالقضاء على عدو القاعدة الأساسي في سورية، ولكن الرأي العام كان معارضاً بشدّة للتدخّل، وبالتالي شنّت الولايات المتحدة حرباً أصغر وأكثر سريةً ممّا كانت تريد، وغذّت أحلام التدخل الأميركي المحتمل الحرب السورية، فبالغ المعارضون في تخيّل فرص نجاحهم الميداني. وكانت النتيجة مساهمة أميركا في "كارثةٍ إنسانية" فظيعة، فوفق كلمات تيلرسون نفسه "توفي نصف مليون سوري، وثمة 5.4 ملايين لاجئ سوري، و6.1 ملايين نازح سوري، وكانت نتيجة التناحر بين النظام والمعارضة تدمير معظم المدن السورية بشكلٍ رهيب". هذا من دون ذكر الاعتداءات في أوروبا الناجمة عن تدفّق اللاجئين، وزعزعة استقرار اتفاق شنغن الأوروبي، بالإضافة الى البريكست وضعف أبرز الحزبين السياسيين في فرنسا، والمشاكل التي تتخبّط بها أنجيلا ميركل بسبب قراراتها بشأن اللاجئين. ولكن هذه المعطيات كافةً ما كانت كافية للتخفيف من آمال السياسيين الأميركيين، وباتت الحرب اليوم أكثر تعقيداً مع تدخّل تركيا في سورية للهجوم على الأكراد الذين كانوا رأس الحربة في الحرب الأميركية على "داعش"، والذين لا يثقون بأميركا ولديهم سبب وجيه لذلك، لأن هؤلاء الأكراد ساعدوا الأميركيين في التخلّص من "داعش" في العراق ورموا بهم خارج كركوك، وها هم الأكراد اليوم يواجهون الأهوال. هل سيثق بنا أي حليف في المنطقة بعد ذلك؟ لماذا ما زلنا في سورية من دون أيّ دعم شعبي أو موافقة على هذا البقاء؟ إلى متى تستطيع الولايات المتحدة تلبية مطالب الأطراف المختلفة في سورية من دون المخاطرة بالدخول في نزاعٍ مميت مع القوات الروسية هناك؟ وما الذي نقوم به هناك أساساً؟! * مايكل دوغرتي