بوصلة الغاز الطبيعي في أوروبا تتجه جنوباً
إيطاليا إلى الصدارة لارتباطها بإمدادات الجزائر وليبيا وقربها من حقول واعدة في مصر وإسرائيل
مع تسريع نقل أسواق الغاز بعيداً عن المملكة المتحدة، نحو هولندا وجنوب أوروبا؛ تستوعب تلك المناطق المزيد من الغاز القادم من روسيا والجنوب، لتعويض الهبوط في الإنتاج في الجزء البريطاني من بحر الشمال. وستصبح شبكة شركة سنام أكثر أهمية إذا تمكن ألفيرا من إحضار تدفقات كافية جديدة لتحويل إيطاليا من دولة مستهلكة إلى مصدرة.
مركز الجاذبية في سوق الغاز الطبيعي في أوروبا يتجه نحو الجنوب، مع بناء واحدة من أكبر شركات خطوط الأنابيب في القارة لنظام يمكن له أن يجعل من إيطاليا دولة مصدرة للوقود لأول مرة. فمن خلال تعزيزها بإمدادات جديدة قادمة من شبكة أنابيب قيمتها 5.6 مليارات دولار مع بحر قزوين، إضافة الى ناقلات محملة بالغاز السائل تسعى شركة "سنام إس بي ايه" ورئيسها التنفيذي ماركو ألفيرا الى وضع ايطاليا عند مفترق طرق تجارة الغاز في أوروبا. وفي حال نجاح جهود ألفيرا فإنها سوف تسرع نقل أسواق الغاز بعيداً عن المملكة المتحدة نحو هولندا وجنوب أوروبا، وتستوعب تلك المناطق المزيد من الغاز القادم من روسيا والجنوب لتعويض الهبوط في الإنتاج في الجزء البريطاني من بحر الشمال، وستصبح شبكة شركة سنام أكثر أهمية اذا تمكن ألفيرا من احضار تدفقات كافية جديدة لتحويل ايطاليا من دولة مستهلكة الى مصدرة. وقال ألفيرا، في مقابلة مع مكتب بلومبيرغ في ميلانو، إن "إيطاليا من الوجهتين الجغرافية والجيولوجية، في مركز جيد للقيام بدور وجهة، وهي في الأساس واحدة من أكثر أسواق الغاز الطبيعي تنوعاً في العالم".
المنافسة المتزايدة
تمثل جهود ألفيرا منافسة متزايدة تبعد عن الهيمنة التي أقامتها بريطانيا في أسواق الغاز في أوروبا، خلال تسعينيات القرن الماضي عندما كان إنتاجها في حالة توسع. ومع تعرض آبار الغاز في المملكة المتحدة الى هبوط ثابت منذ سنة 2000 ركز التجار بصورة متزايدة على وجهات اخرى للغاز الطبيعي تصدرتها هولندا التي تتمتع أيضاً بميزة خفض خطر العملة بالنسبة إلى اولئك المتعاملين باليورو.وتسير المملكة المتحدة وهولندا جنباً الى جنب في الوقت الراهن في سوق الغاز الذي يبلغ 900 مليار دولار في السنة، وذلك بحسب شركة كنغستون انرجي الاستشارية، وكانت المبيعات تتراجع في المملكة المتحدة وتنمو في أماكن أخرى. وتشتهر إيطاليا في الوقت الراهن بإنتاج زيت الزيتون، ولا تبدو مثل وجهة محتملة لتصدير الغاز، كما تتدفق كميات كبيرة من الغاز الروسي على ايطاليا، بحيث إن انفجاراً في محطة ضخ واحدة في النمسا خلال شهر ديسمبر تسبب في حالة طوارئ على المستوى الوطني. وتتخلف وجهة "بي إس في" التجارية في ايطاليا عن "ان بي بي" في المملكة المتحدة و"تي تي اف" في هولندا.ويقول باتريك هيثر، وهو باحث زميل رفيع في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة في المملكة المتحدة، إن "ما هو في مصلحة (بي اس في) يتمثل بأن لديها بنية تحتية جيدة بدرجة معقولة وشبكة وطنية حسنة التأسيس ومصادر امداد متعددة، وهذه كلها أشياء جيدة، ويمكن أن تساهم في جعل (بي اس في) وجهة تجارية جيدة، ولكن السؤال هو: هل ستتمكن من منافسة سعر السوق؟ والحقيقة هي انها قد لا تتمكن من تحدي (تي تي اف)".وعلى الرغم من ذلك، فإن لدى ألفيرا طموحات أكبر لنفوذ شركة سنام، فلقد عينت في 2016 مصرفيا سابقا لدى بنك غولدمان ساكس لفترة ثلاث سنوات، وذلك بعد جولة في ايطاليا شملت شركة ايني المنتجة للنفط، وهو الذي يعمل الآن على استراتيجية صناعية جديدة لشركة سنام ستطرح في شهر مارس المقبل. ومن المحتمل أن يعتمد البرنامج على خطة السنة الماضية المتعلقة باستثمار خمسة مليارات يورو حتى عام 2021، وبهدف تحقيق نمو صاف بنسبة 4 في المئة سنوياً. وسوف يحقق ذلك البرنامج بعضاً من الفوائد الاستثمارية الهادفة الى جعل شبكة خط الأنابيب أكثر مرونة. وبحلول نهاية سنة 2018 سوف يكون لدى شركة سنام الخيار في التراجع الى خط أنابيب واحد يربط ايطاليا بسويسرا، وهي تعمل في نفس الوقت بمشروع مماثل لخط أنابيب يمتد الى النمسا. وسوف تعطي تلك الخطوات شركة سنام القدرة على تصدير الغاز لأول مرة الى الشبكة الأوروبية الأوسع.تدفقات مرنة
وتتوقع سنام وصول الغاز بحلول سنة 2020 من خط أنابيب عبر الأدرياتيكي كلف 4.5 مليارات يورو وتم تطوره مع شركة بي بي وشركة النفط الرسمية في أذربيجان. وسوف تجلب تلك الوصلة الغاز من بحر قزوين وتفتح ما تأمل سلطات الاتحاد الأوروبي أن يصبح ممراً جنوبياً جديداً للامدادات، وسوف يساعد على خفض اعتماد أوروبا على روسيا التي تزود الاتحاد بنحو ثلث احتياجاته السنوية، عن طريق خطوط قنوات عملاقة من حقول في سيبيريا.ويعطي نضوب حقول الغاز شركة سنام ميزة اخرى، اذ تعمل على بناء أكبر منشآت تخزين للوقود في القارة. وفي حين تعتبر ايطاليا مستهلكاً كبيراً خلال موسم التدفئة في فصل الشتاء فإن طلبها يقل بصورة دراماتيكية في فصل الصيف. ويقول ألفيرا إن استخدام تلك الحقول خارج الموسم يعطي ايطاليا مرونة ازاء وقت شراء الغاز. ويضيف: "سوف تتمكن إيطاليا من اجتذاب شحنات غاز طبيعي مسال رخيص في فصل الصيف بسبب سعة التخزين لدينا".مفترق طرق التجارة
ينبع قول إيطاليا إنها قلب نظام الغاز في المستقبل من تنوع مصادر إمدادها، وهي مرتبطة بصورة مباشرة بخطوط أنابيب من الجزائر وليبيا وخطوط الغاز الروسي. كما أنها تستطيع تسلم شحنات من بحر الشمال، ولديها 3 محطات استيراد للغاز الطبيعي المسال. وهي أقرب الى موردي الغاز الطبيعي المسال الرئيسيين في الشرق الأوسط من أي رابطة رئيسية أخرى في الشبكة الأوروبية. كما أنها قريبة من الاكتشافات الجديدة في مصر وإسرائيل التي قد تجد طريقها الى الأسواق الأوروبية في العقود المقبلة. ويعتبر ألفيرا أن استراتيجية خط الأنابيب، بدلاً من الغاز الطبيعي المسال، تمثل الطريقة الأفضل من أجل خفض السعر السائد للغاز في أوروبا والذي يبلغ بشكل تقريبي ضعف مستوى السعر في الولايات المتحدة. وهو لا يؤيد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويرى في البريكست تهديداً يعقد جهود اندماج شبكة الغاز الأوروبية. ويقول: "نحن نأمل في حدوث أقل قدر ممكن من الاضطراب". ويضيف أنه كان يظن أن لدى المملكة المتحدة "سياسة طاقة حكيمة جداً"، من حيث استخدام الحوافز والمصادر المتجددة. "وما تحتاج أوروبا إليه هو مزيد من الترابط والتقارب والسيولة في السوق".