«البتكوين»... بين المخاوف والمطامع
من بين التظاهرات التقنية والطفرات التكنولوجية التي ظهرت مؤخرا وبشكل مريب العملة الرقمية البتكوين (Bitcoin) والتي تعتبر عملة نقدية كمثيلتها مثل الدولار أو الدينار لكنها تختلف بكونها إلكترونية بشكل كامل، تتداول عبر الإنترنت فقط من دون وجود فيزيائي لها، حيث يمكن استخدامها للشراء عبر الإنترنت أو حتى تحويلها إلى العملات التقليدية. إلى جانب أنها عملة لا مركزية، حيث إنها نظام نقدي إلكتروني يعتمد في التعاملات المالية على مبدأ الند للند (peer to peer)، بما يعني التعامل المباشر بين مستخدم وآخر دون وجود وسيط مالي يقف خلف هذه التعاملات أو هيئة تنظيمية تشرف عليها، حيث تذهب النقود من حساب مستخدم إلى آخر بشكل فوري، والأمر المستغرب أنه مازالت هناك معارضة كبيرة تحجب تدخل وسائط مالية أو حكومات فيها، والذي زاد الأمر ريبة أنها تعتبر عملة ذات مجهولية، بمعنى أنها لا تمتلك رقما متسلسلا ولا أي وسيلة أخرى تتيح تتبع ما أنفق للوصول إلى البائع أو المشتري، مما يجعل منها فكرة رائجة لدى كل من المدافعين عن الخصوصية، أو بائعي البضاعة غير المشروعة (مثل المخدرات) عبر الإنترنت. كما تتميز العملة بأنها غير مرتبطة بسعر الذهب أو المعادن الثمينة أو أي متغيرات سياسية كانت أو اقتصادية، لكن ارتفاعها يعتمد على الطلب، فكلما زاد الطلب عليها ارتفع سعرها والعكس صحيح، وهذا ما جعل متداولي العملة يعملون سماسرة لها؛ مما جعلها فكرة ذكية حافظت على استمراريتها ونموها.تعتبر البتكوين أول تطبيق لمفهوم يطلق عليه اسم «cryptocurrency» أو العملة المشفرة، والذي تم الحديث عنه لأول مرة في عام 1998 من قبل Wei Dai، والتي تمحورت حول شكل جديد من المال يعتمد على التشفير في إنشائه والتعامل به، بديلاً عن السلطة المركزية، وأطلق أول تطبيق له سنة 2009 بواسطة «Satoshi Nakamoto» والذي يعتبر هوية مجهولة لم ينشر عنه أي تفاصيل، لكن فكرته تبلورت وانتشرت بصورة كبيرة، حيث إن قيمة البتكوين الشرائية بدأت من الدولارين إلى أن أصبحت اليوم تقدر بآلاف الدولارات، وهذا أيضا محل تساؤل وغرابة.
إضافة إلى أنها شكلت حجر الزاوية في الهجومين الإلكترونيين العالميين، بفيروس الفدية الأول «ونا كراي» WannaCry والفدية الثاني «بيتيا» Petya عندما طلب القراصنة المهاجمون لمئات الآلاف من الكمبيوترات بالعالم، دفع فدية بعملة «بيتكوين» من أجل إرجاع الملفات المقرصنة لأصحابها، وإعادة فتح الأجهزة التي أصابها الفيروس بالشلل، على نطاق عالمي.عملة تحيطها الاستفهامات والمخاطر لكنها تكتسح العالم، فهل ستغير خريطة العالم المستقبلية؟ أم أنها ستكون مدخلا للممارسات غير الشرعية؟ أم أنها تعتبر ناقوس خطر لانهيار العملات التقليدية وبالتالي انهيار المعادن المرتبطة بها؟ أم أنها بداية نهاية الاقتصاد العالمي؟ كلها استفسارات تحددها مطامع البشر وأفواه الجياع... فلطفاً يا رب بالعباد. * عضوة هيئة تدريس في جامعة الكويت