شوشرة: اعتذروا

ثقافة الاعتذار أصبحت من أصعب الأشياء التي تتوافر في مجتمعاتنا وفي عقول بعض الذين يعتقدون دائما أنهم وحدهم على صواب وغيرهم على خطأ، بل يكابرون أمام «بلاويهم» التي لا تعد أو تحصى، لأن الاعتذار عن الخطأ مهما كان حجمه هو «شيمة» ذوي الأخلاق الحميدة أو من يسلكون الطريق الصحيح في حياتهم دون الخروج عن مبادئهم أو تربيتهم أو عاداتهم وتقاليدهم، ولكن مع الأسف الشديد أصبح من النوادر وجود من يتحلون بصفة شجاعة الاعتذار أو التنحي عن كبريائهم وغرورهم الذي أضاعهم في متاهة الطرق المتفرعة التي لا يعرفون كيف سيسلكونها في نهاية المطاف.

ولعل هذه الثقافة مما يجب أن يدرس أو يصبح مادة إلزامية ضمن المناهج التعليمية التي تحتاج إلى نسف وغربلة من جديد، حتى تنتشر بين مختلف الأجيال ليكونوا على دراية كاملة بأهميتها والنتائج التي سيحققها الاعتذار أو العديد من الأمور التي كانت وراء ضياع حقوق الأبرياء.

ولعل من الأخطاء الشائعة بين مختلف البشر في مجتمعنا سواء كانوا سياسيين أو أكاديميين أو عسكريين أو غيرهم من القياديين والوزراء أو حتى على مستوى عامة الناس، هو عدم اكتراثهم بما يقومون به من مآس ومشاكل يتضرر منها الآخرون ويدفع ثمنها وطن، ويروح ضحيتها بشر، إلا أنهم يكابرون دون أي حياء ويصدرون التبريرات بل يجعلون المجني عليه هو السبب، حتى بتنا لا نعرف أين الحقيقة؟ ومن المخطئ؟ بعد أن أضعنا البوصلة والاتجاه السليم الذي يقودنا إلى بر الأمان دون الاصطدام أو التعرض لمطبات هوائية تنتج عنها ولادة عسيرة لحلحلة بعض القضايا الشائكة.

وعند متابعة بعض مجريات «الساحة التويترية» تجد فائضاً من نوعيات «إلا الاعتذار» من هؤلاء الذين يسيرون على نمط «خالف تعرف»، واستخدام أسلوب الهجوم والشتم والسب لإرضاء معازيبهم أو استعطاف قلوب بعض مناصريهم لتسجيل البطولات على حساب المساس بالآخرين، وعندما يطلب منهم الاعتذار والتراجع يكابرون بكل وقاحة بل يساهمون في تأجيج الأمور ويحيكون التهم زيفا ويخلطون الحابل بالنابل أمام تشجيع بعض المطبلين الذين يعيشون على المساس بكرامات غيرهم، والمصيبة الكبرى أن بعض المرتزقة في بعض الدول أصبحوا يستخدمون هذا النهج، وعندما ينكشفون للأسف الشديد لا يعتذرون بل يستمرون في التمادي ونسج الزيف.

الاعتذار بات جليا أنه يأتي في ثقافات الدول المتحضرة والمتطورة التي تعمل على بناء عقول أجيال ناضجة وناجحة ومتفتحة ومتقدمة ومتطورة، وليس من صنع أبواق وفداوية يخرجون وقتما يؤمرون لسب وشتم الآخرين تحت ذريعة الديمقراطية العمياء التي لا يخفى على أحد كيف تسير عرجاء عندهم!

اعتذروا وأصلحوا أحوالكم وتنازلوا وجمّعوا ولا تشتتوا، لأن كل ذلك من مصلحة شعوبكم التي تكون عادة هي الضحية الأولى والأخيرة، واستفيدوا من تجارب الآخرين ولا تكابروا وتتعنتوا لأنه ستأتي اللحظة التي ستقصم فيها القشة ظهر البعير.

ويجب على كل شخص منا أن يبدأ بنفسه ويعتاد الاعتذار، وإذا لم يستطع فليعرض نفسه على المختصين في علم النفس لتأهيله من جديد والاستفادة من ميزة الاعتذار.

آخر الكلام:

يتحدثون خلفك لأنهم فعلاً خلفك. (مقولة أعجبتني)