ذكر تقرير الشال الأسبوعي الاقتصادي أن مشروع ميزانية السنة المالية 2018/2019 يعتبر رابع مشروع موازنة عامة منذ سقوط سوق النفط في خريف عام 2014، ومن قراءة أرقامها، عجزنا للمرة الرابعة أيضاً عن إيجاد أي رابط بين تلك الأرقام، وأي مسعى حقيقي للوفر والحد من الهدر، أو توجيه نفقاتها لتكون أداة لتحقيق أهداف تنموية معلنة.

وكانت أرقام النفقات العامة المنشورة بشكل غير رسمي حتى يوم واحد قبل الإعلان الرسمي، هي 20.150 مليار دينار، خفضت في يوم الإعلان الرسمي إلى 20 مليار دينار، حتى لا تكسر سقف العشرين ملياراً المتفق عليه.

Ad

وتذكر الأرقام في جانب الإيرادات إلى أن جملة تلك الإيرادات مقدر لها أن تبلغ 15 مليار دينار، وتؤكد استمرار هيمنة إيرادات النفط غير المستدامة وغير المستقرة والمقدرة بنحو 13.3 مليار دينار عليها، لتبلغ مساهمتها في جملة الإيرادات نحو 88.7%. والأساس في تقديرها بالزيادة هو زيادة السعر الافتراضي لبرميل النفط من 45 دولارا في السنة المالية الحالية، إلى 50 دولاراً في الموازنة القادمة بتأثير من الارتفاع الحالي لأسعار النفط، وهو أمر لا معنى له، فأرقام العجز مرتبطة بالأسعار الفعلية وضبط النفقات العامة إلى جانب حجم الإنتاج وسعر صرف الدولار الأميركي. وزادت تقديرات الإيرادات غير النفطية بنحو 6.25 في المئة لتصبح 1.7 مليار دينار، بدلاً من 1.6 مليار دينار للسنة المالية الحالية، ولا يمكن اعتبار تلك الزيادة إصلاحا، هذا إن تحققت، والواقع أنها أدنى كثيراً من بعض معدلاتها التاريخية الفعلية. فأرقام الحساب الختامي تشير إلى تحقيق إيرادات غير النفطية بنحو 2.039 مليار دينار للسنة المالية 2012/2013، وتحقيق نحو 2.520 مليار دينار للسنة المالية 2013/2014، وتحقيق نحو 2.424 مليار دينار للسنة المالية 2014/2015، أي أنها أصبحت أدنى.

وفي جانب النفقات العامة، بلغ المقدر لها 20 مليار دينار بزيادة طفيفة وبنحو 0.5 في المئة عن تقديرات السنة المالية الحالية البالغة 19.9 مليار دينار، نصيب الرواتب والأجور والدعوم فيها 14.6 مليار دينار، أو نحو 73 في المئة من الإجمالي، يضاف لها نحو 9 في المئة من الإجمالي للنفقات الجارية المكملة، ليصبح 82 في المئة من تلك النفقات جارية وغير مرنة.

بمعنى آخر، الميزانية العامة في الكويت لا تعدو كونها تسييلا لخام النفط وتحويله إلى صندوق لصرف الرواتب وما في حكمها، ولا بأس لو كان ذلك قابلا للاستدامة. ولكن لحتمية عدم استدامته تكاليف باهظة سوف يدفعها كلها الغالبية الساحقة من المواطنين. وحتى المتبقي، أو 18 في المئة من النفقات العامة والمخصص للمشروعات، إنفاق لا هوية تنموية له، ولا ربط له بأبسط وأهم أهدافها، وهو خلق وظائف مستدامة للمواطنين، والواقع، أن فساده ورداءة إنجازه وارتفاع تكلفته، هي عبء إضافي في المستقبل على المالية العامة المرهقة. ولا معنى أيضاً لتحويل 10 في المئة من جملة الإيرادات إلى احتياطي الأجيال القادمة إذا كان العجز أعلى منها، لذلك تبقى حقيقة العجز الافتراضي هي 5 مليارات دينار.

مرت أربع سنوات ثمينة، والحكومة عاجزة عن فهم أن الإصلاح يبدأ منها وينتهي بالمواطن والمقيم، وليس العكس، وسواء تمت قراءة خطط التنمية السابقة وإنجازاتها، أو دور برامج الإصلاح المالي في تحقيق علاج جاد يضمن استدامة المالية العامة، فكل الخلاصات تؤكد أن لا إصلاح حقيقيا تحقق. ومشروع الموازنة الحالي ليس سوى تأكيد، إما على عدم الرغبة في الإصلاح، أو عدم القدرة عليه، ومخاطر ذلك العجز عن الإصلاح أكبر كثيراً مما يتخيلها المواطن.