النظام الإثيوبي يسمح للمنشقّين بالتعبير
للحياة في "ميكلاوي"- وهو سجنٌ في أديس أبابا- وتيرةٌ يمكن التنبّؤ بها، كان كلٌ من آتيناف برهان وبيفيكادو هايلو يؤخذان بالقوّة من السجن ثلاث مرّات يوميا، والسجن هذا عبارة عن زنزانةٍ مظلمة أطلقا عليها اسم "سيبيريا"، وكان الرجلان يخضعان للاستجواب والضرب ثلاث ساعات يوميا، ضُرب بيفيكادو على قدمَيه العاريتَيْن بكبلٍ كهربائيّ، أما آتناف فنجا من هذه القسوة بضربة حظّ، فهو يقول "كنتُ محظوظا".اعتُقل الناشطان الإثيوبيّان، وهما أعضاء شبكة تدوين باسم "زون 9" في 2014، وبعد قضاء ثلاثة أشهر في ميكلاوي اتُّهموا بالإرهاب، وبعد 18 شهرا وراء القضبان أسقِطَت تلك التُّهَم إلاّ أنهما لا يزالان متّهمَين بالتحريض على العنف، وهي جريمة تقلّ درجتُها عن الأولى، ويشير موقع "إثيو ترايل تراكر" الإلكترونيّ إلى أنّ هناك 923 إثيوبيا يقبعون في السجون بتُهَم تتعلّق بالإرهاب. من جهتها تُحصي منظّمة "هيومن رايتس ووتش" الآلاف من المُعتقلين الآخرين على خلفيّة آرائهم السياسيّة.اعتادت جبهة الثورة الديمقراطية الشعبية الإثيوبية الحاكِمَة سجن ومحاكمة معارضيها السياسيين، وفوجئ كثير من المراقبين عندما أعلنت الحكومة، في 3 يناير، خططا للإفراج عن بعض السّجناء السياسيين وتحويل سجن ميكلاوي إلى متحف، وفي 17 يناير أفرجت السلطات عن ميريرا غودينا، أبرز زعماء المعارضة في البلاد، بالإضافة إلى 527 سجينا آخر. وقال المدّعي العام إنّه سيتم الإفراج عن مزيدٍ من السّجناء في الأشهر المقبلة، بمن فيهم بعض المُدانين بارتكاب جرائم إرهابيّة، ويعلّق غودينا على الأمر قائلا: "إذا كانت الحكومة تعني ما تقول، فإنّ لديها فرصة لكتابة فصلٍ جديد في التاريخ الإثيوبي". ومنذ الإفراج عنه يأتي الآلاف لزيارته، حتى أنّ بعضهم يذبح الثيران احتفالا بإطلاق سراحه.
بعد سنوات من الاحتجاجات المناهضة للحكومة وإعلان حالة طوارئ دامت تسعة أشهر رفعت في أغسطس الماضي، يَرصُدُ البعض علاماتٍ تُبَشّر بالتغيير داخل جبهة الثورة الديمقراطية الشعبية الإثيوبية، وحَمَّلَ الحزبُ لأشهرٍ عدّة سببَ وجود الانشقاق لـ"أعداء أجانب" و"متذمّرين محليّين"، بيد أنّه أصدر بيانا، في الشهر الحالي، يقرّ فيه بارتكاب "أخطاء" واعدا بإرساء مزيدٍ من الديمقراطية، ويتمّ تنقيح قانون مكافحة الإرهاب حاليا ويُحتمل أيضا تغيير مشاريع قوانين قمعيّة أخرى.ومهما كان من أمرٍ لا تنبغي المبالغة في تفسير ما يحصل؛ فمعظم السّجناء الذين أسقِطَت القضايا بحقّهم ما كانوا من الأشخاص المهمين، فأبرز الناشطين ما زالوا محتجزين، أما التغييرات التي يتم إدخالها إلى القوانين الصارمة فلا تكتسب أهميّة تذكر في وقتٍ تتواصل فيه الانتهاكات، ففي 20 يناير مثلا قتلت القوات الحكوميّة سبعة أشخاص على الأقلّ في أحداثٍ قمعية.والأهمّ من ذلك كله هو الصّراع على السلطة داخل جبهة الثورة الديمقراطية الشعبية الإثيوبية، وهو ائتلاف مكوّن من أربعة أحزاب قائمٍ على أساسٍ عرقيّ، وتمارس "جبهة تحرير شعب تيغراي" (TPLF)، منذ فترةٍ طويلةٍ نفوذا على سكان تيغراي الذين يشكّلون نسبة 6% من الشعب. كما تعتبر المنظّمة الديمقراطية لشعوب أورومو، وهي أيضا جزءٌ من الائتلاف الحاكم، بمثابة دُمية تُحرّكها "جبهة تحرير شعب تيغراي"، ولكنّها أعادت تسمية نفسها كحركةٍ شعبيّة شبه معارضة، وفي ظلّ ليما ميغرسا– زعيمها الجديد الذي يتمتّع بشخصيّة جذّابة– تبنّت كثيرا من مطالب المتظاهرين، بما فيها الإفراج عن السّجناء السياسيين.وقد يستقيل رئيس الوزراء المحاصر هايله مريم ديساليغنه قريبا، وفي حال حصل ذلك، لا بدّ من إيجاد خلفٍ له قبل انعقاد مؤتمر الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية المقرّر في مارس المقبل والذي سيؤجّل حتما، ويودّ كثيرون في أوروميا أن يكون خلفه ميغرسا، كونه السياسيّ الأكثر شعبيّة في البلاد، ولكنّها مسألة غير محسومة بعد.