مشروع الميزانية العامة وفخ الدين العام
من المفترض أن تُبنى خطة التنمية الإنسانية المستدامة على معلومات وافية وبيانات مالية دقيقة وإحصاءات حديثة واحتياجات عامة فعلية، وتكون أهدافها في غاية الوضوح وواقعية ويمكن تنفيذها، أما في حالة عجز الميزانية العامة للدولة عن تلبية متطلبات خطة التنمية الشاملة فإن أول ما يفترض أن تقوم به الحكومة هو وقف عملية الهدر المالي عن طريق الحدّ من الفساد المؤسسي السياسي والإداري والمالي، وإعادة هيكلة وزاراتها ومؤسساتها العامة وأجهزتها الإدارية كي تتخلص من الأجهزة التي لا حاجة فعلية لها وتُشكّل عبئاً مالياً ثقيلاً على ميزانية الدولة، ثم ضبط الإنفاق الجاري والمصروفات المالية، وإعادة هندسة العمليات والقرارات الإدارية والمالية كي توقف الهدر المالي.أما الغريب والعجيب فهو أن تعلن الحكومة في مشروع ميزانية السنة المالية 2018-2019 استمرار العجز المالي في الميزانية العامة للدولة، ومع هذا فإنها تُصِر على الاستمرار في تبني سياساتها الاقتصادية والإدارية والمالية الفاشلة ذاتها التي سببت العجز المالي بعد انخفاض أسعار النفط التي كانت في الماضي تُغطّي على الفساد السياسي وسوء الإدارة العامة.
بعبارات أخرى فإن الحكومة ستستمر في تحميل المواطنين والمقيمين من الفئات الوسطى والطبقة الفقيرة تبعات فشلها الذي كانت نتيجته عجزا ماليا متكررا لعدة سنوات وخدمات عامة سيئة، وستلجأ للاستدانة الخارجية ورفع سقف الدين العام على الرغم من أنه لن يُموّل مشاريع حيوية لها جدوى اقتصادية، ولن يقابله إنتاج أو تصدير كي يُسدّد بسرعة قبل تراكم فوائد خدمة الدين العام التي تُرهق ميزانية الدولة، وقد تؤدي إلى إعلان إفلاسها، بل سيستخدم، في الغالب، للتغطية على الفساد المؤسسي وعمليات النهب والتنفيع السياسي واستنزاف المال العام. وهذا معناه، لاسيما مع استمرار تذبذب أسعار النفط واكتشافات الطاقة البديلة، أننا نسير بسرعة مذهلة في اتجاه الوقوع في فخ الدين العام وإملاءات مؤسسات الإقراض المالي الرأسمالية المتوحشة التي تتجنبها الدول الناجحة فتقوم، بدلاً من ذلك، بتبني مشروع إصلاح سياسي وديمقراطي يحقق كفاءة الإدارة العامة، ويوسّع المشاركة الشعبية في صنع السياسات العامة واتخاذ القرارات، ويُفعّل المؤسسات الدستورية، ويضمن محاسبة مافيا الفساد المؤسسي وسراق الثروة الوطنية، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى إصلاح الإدراة العامة والاقتصاد والمالية العامة والتعليم والصحة وتغيير السياسات الفاشلة التي سببت العجز المالي والتراجع العام، وتحديد أولويات تنموية حقيقية وواقعية، ثم إعادة هيكلة الأجهزة الحكومية كي تقوم بتنفيذها بكفاءة وفعالية.