بغياب الهجرة ستُصاب أميركا بالركود
أعتقد أنه من الضروري إبقاء أبوابنا مشرعة أمام المهاجرين لأنّ ذلك جزء لا يتجزأ من هوية أمّتنا، فكلّ جيل من الوافدين الجدد، وخصوصا أولئك الذين يتحلّون بالجرأة والقدرة على تحمل المخاطر، قد أثرى مجتمعنا وحسّنه.
رسالة إلى الجمهوريين: لك أن تكون مؤيدا للنمو، ولك أن تكون مناهضا للهجرة، ولكن في الواقع لا يعقل أن تكون مؤيدا للاثنين معا، وفي إطار النقاش حول الهجرة، تُطرح اليوم أسئلة عدّة ليس لها إجابات واضحة وصريحة، فكيف يتمّ تحقيق التوازن اللازم بين المهاجرين المقبولين لتمتعهم بالمهارات المطلوبة والمهاجرين الذين يسمح لهم بالدخول لأنّ لهم أقارب في البلد؟وما مقدار الجهود التي ينبغي أن تُبذل لتعقب المهاجرين غير الموثقين من جهة ولمعاقبة الشركات التي توظفهم من جهة أخرى؟ وما الإجراءات التي ينبغي لنا اتخاذها بخصوص ملايين المهاجرين الذين أتوا إلى أرضنا بشكل غير شرعي منذ عشر سنوات أو أكثر واستقرّوا في مجتمعاتنا؟ وماذا ينبغي أن يكون عدد المهاجرين الشرعي في كلّ سنة من الآن فصاعداً؟لا ريب أنّها أسئلة كبيرة ومعقدة؛ لذا ينبغي على الكونغرس ألّا يحاول حلّ جميع هذه المسائل بين اليوم و8 فبراير، وهي المهلة التي حددها بنفسه لتسوية مسألة "الحالمين"، وفي الأيام القليلة المتبقية، أفضل ما يمكن للكونغرس القيام به هو، في الواقع، أن يحلّ مسألة الحالمين، أي المهاجرين غير الموثقين الذين جيء بهم إلى هنا وهم أطفال صغار ليس في يدهم حيلة، علما أنهم يطيعون القانون ويرتادون المدرسة أو يذهبون إلى العمل أو يخدمون في الجيش.
إنّهم أميركيون من جميع النواحي إلا من الناحية القانونية، فأفسحوا أمامهم الطريق نحو المواطنة، على حدّ قول الرئيس ترامب، وقدّموا لترامب الأموال اللازمة لبناء جداره المنشود (إلى أن يحصل على الشيك المنتظر من المكسيك)، وكم يبرع الكونغرس في المراهنة على الأسئلة الكبيرة والمعقدة، فيعلن الجميع النصر ولا تغلق الحكومة أبوابها.وبالطبع، نبقى في نهاية المطاف في مواجهة الأسئلة الكبيرة، وفي أحسن الحالات سيحدد الكونغرس موعداً لإجراء نقاش جدّي حولها في الربيع، وفي أحسن الحالات سيدور النقاش بروح بنّاءة، بالاعتراف مثلاً بأنّه يمكن للأشخاص المنطقيين أن يختلفوا بالرأي حيال مسألة المهارات مقابل الأسرة.ولكن أيضا في أحسن الحالات سيدور النقاش بالاتفاق على أن من يفضل حصول هبوط جذري وتام على مستوى عدد المهاجرين، كما هي حال الكثير من الجمهوريين، يكون في صدد اتخاذ خيار بشأن مستقبل أميركا. قل إنّهم يحوّلون بلدنا إلى اليابان، ومن باب التوضيح، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ اليابان أمّة مذهلة، تتمتع بثقافة عريقة ومعقدة، وترحّب بالناس وبالصناعة المبتكرة، فهي قدوة يحتذى بها.إلّا أنّ اليابان دولة لا تستقبل سوى القليل من المهاجرين، وهي بالتالي أمّة عجوز متضائلة، فبحلول عام 2030، سيتخطّى عمر أكثر من نصف سكانها الخمسين سنة، وبحلول 2050 سيزداد عدد المسنين (البالغين من العمر 65 سنة أو أكثر) ثلاثة أضعاف عدد الأولاد (البالغين من العمر 14 سنة أو أقل)، ومن اليوم يفوق عدد الوفيات عدد الولادات بشكلٍ ملحوظ، ومن المتوقع أن يتقلّص عدد سكانها البالغ 127 مليون نسمة بنسبة الثلث على مدى نصف القرن القادم. وفي الواقع تعتبر اليابان رائدة وصورة متطرّفة لمصير دول العالم الأول من جهة زيادة أمد الحياة وانخفاض مستوى الخصوبة، أمّا النتائج المحتملة لذلك فهي تباطؤ النمو الاقتصادي وانخفاض مستوى الابتكار ونقص في العمالة وضغط هائل على الرواتب التقاعدية، فإذا كنتم تخالون أنّ سياسات الاستحقاقات في بلدنا معزّزة، أودّ لفت نظركم إلى التالي: في عام 2050 من المتوقع أن يبلغ معدّل إعالة المسنين– أي نسبة عدد الأشخاص الذين يبلغون من العمر 65 سنة أو أكثر من عدد الأشخاص الذين يبلغون من العمر بين 15 و64 سنة– 71.2 في المئة.أمّا الرقم المقارن في الولايات المتحدة فهو 36.4 في المئة وهي نسبة أعلى من نسبة 25.7 في المئة لعام 2020، فالأرقام مرتفعة من دون شك ولكن إن تمت السيطرة عليها فالفضل بذلك يعود إلى الهجرة، وفي هذا السياق أتى في بحوث أجراها مركز بيو للدراسات وصندوق النقد الدولي أنّ أميركا لا تزال تستقطب الأشخاص الدؤوبين والمفعمين بالحيوية من شتّى أنحاء العالم الذين يساهمون وأولادهم بنموّ سكاننا واقتصادنا.إضافة إلى ذلك، بدّلت موجة الهجرة التي اجتاحت نصف القرن الماضي وجه الأمة، فتقلّصت نسبة السكان البيض بالنسبة إلى المستويات التي كانت ستبلغها، وازدادت نسبة الآسيويين وأصحاب الأصول اللاتينية، وليس من المستغرب أن يجد بعض الناس ذلك أمراً مربكاً.ولكن من المعهود في مثل هذه المناقشات أن تكون التصورات متأخرة عن الواقع، فبالاستناد إلى الصحيفة الوقائعية الصادرة عن معهد سياسات الهجرة في العام الماضي، يحمل نحو نصف المهاجرين (48 في المئة) شهادات جامعية. إضافة إلى ذلك ضمّ ربع عدد الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا مؤسساً أجنبياً واحداً على الأقل بين عامي 2008 و2012، فمع ارتفاع مستويات الدخل والتعليم في جميع أنحاء العالم بدأ مزيج المهارات من الهجرة الأميركية يتغير بالفعل، ومن دون أن يقابل ذلك أي تغيير في قوانيننا. وخلاصة القول أنّني أعتقد بضرورة إبقاء أبوابنا مشرعة أمام المهاجرين لأنّ ذلك جزء لا يتجزأ من هوية أمّتنا، فكلّ جيل من الوافدين الجدد، وخصوصا أولئك الذين يتحلّون بالجرأة والقدرة على تحمل المخاطر، قد أثرى مجتمعنا وحسّنه.ولكن لا تدعو الحاجة إلى تبني أي من أكاذيب "تمثال الحرية" كذريعة لتشجيع الهجرة، ذلك أنّ المصالح الذاتية البحتة تقول بالاستنتاجات نفسها، وإنّ قرار خنق الهجرة هو حكم على البلد بالركود والتدهور.* فريد هيات* «واشنطن بوست»