زيارة تيريزا ماي للصين أظهرت ضعف بريطانيا
رفض زعيم بريطانيا جورج ماكارتني الخضوع لسلطة الإمبراطور أثناء البعثة الأولى لبريطانيا إلى الصين عام 1793، ومع ذلك فإنّ محاولاته للحفاظ على كرامة بريطانيا بدت فاشلة كما ظهر في الرسالة المكتوبة على أشرعة المراكب الإمبراطورية التي كانت تنقل الدبلوماسيين والسلع التجارية إلى بكين، وكانت تقول: "يحمل السفير تحيةً من إنكلترا".وجدت تيريزا ماي خلال زيارتها إلى الصين التي استمرت ثلاثة أيام أن التعامل مع الحكومة الصينية نادراً ما يكون سهلاً، فمهمة رئيس الوزراء صعبةٌ حقاً. فمن جهة أرادت ماي التأكّد من أن بريطانيا والصين ما زالتا في "العصر الذهبي" الذي أعلنه رئيس جمهورية الصين، شي جين بينغ، ورئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، الذي كان يحاول مراراً ومنذ تركه لمنصبه إنشاء صندوق استثماري بين الصين وبريطانيا.
ومن جهة ثانية أرادت تيريزا ماي أن تظهر أنّ بريطانيا ملتزمة بجدية بمبادرة "الحزام والطريق"، وهي عبارة عن استثماراتٍ بمقدار 4 تريليونات دولار في شبكة مشاريع للبنى التحتية تشكّل مشروع شي الأساسي لسياسة الصين الخارجية، وكان كاميرون ركّز عليه لضمان نجاح الصندوق الاستثماري، ولهذه الغاية بذلت ماي كلّ الجهود الضرورية للوصول الى الهدف المنشود، وعين مستشار ماي فيليب هاموند مندوبا لهذه المبادرة وهو دوغلاس فلينت، الرئيس السابق للـHSBC وبتشكيل "مجلس" هدفه تمويل مشاريع "الحزام والطريق" بمعايير دولية.وأرادت ماي عبر تحسين العلاقات مع الصين أن تبيّن أنّ كلامها- عن بريطانيا منفتحة على الأعمال خصوصا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي- ليس مجرّد هراء.على غرار ماكارتني تفضّل ماي تحقيق غايتها من دون الخضوع لأحد، وهي على علم أيضاً بأنّ البلدان الأوروبية حذرة من التمويل الغامض لمشاريع "الحزام والطريق"، وقلقة حيال خطط الصين لتوسيع نفوذها في أوروبا الوسطى والشرقية. ووصفت الإدارة الأميركية الصين بالـ"منافس الاستراتيجي"، مما يعني استحالة استمالة ماي لمضيفها من دون الإساءة إلى الأوروبيين والأميركيين.وكانت ماي شبه متأكدة من أنّ السفارة الصينية لن تطلب شيئاً مقابل تحقيق رغباتها، لكنّ أملها قد خاب، فقد طلب الصينيون منها تأييد مبادرة "الحزام والطريق" عبر التكلم عنها بإيجابية في مختلف مذكرات التفاهم، وأرادوا كذلك دعم بريطانيا لشي كقائدٍ للعولمة عبر تبنّي شعاره اللافت "مستقبل مشترك بين البشرية".تكلّمت ماي بصدقٍ عن "الحلم البريطاني" مردّدةً شعار السيد شي "الحلم الصيني"، وتجنّبت بلباقٍة ذكر موضوع حقوق الإنسان خصوصا في خطاباتها العامة، لكنّها لم تذكر "العصر الذهبي" أبداً، ووجّهت تحذيراً للصين بضرورة احترامها لقواعد التجارة الدولية، ولعلّ شي كان يعتقد أنها ستستسلم أمام الضغوط الصينية لأنّها ضعيفة على الصعيد المحلي. لعلّ ماي بلغت من الضعف حداً يجعلها أساساً عاجزةً عن الاستسلام نفسه!