أطفالنا المبدعون!
لو أن تلفزيون الـ"إم.بي.سي" (M.b.c) لم ينجز خلال مسيرته الطويلة، التي قدم خلالها عطاءات كثيرة فنية وسياسية، وفي مجالات أخرى متعددة، إلا برنامج "الأصوات الشابة" الذي انتهى مساء السبت الماضي، لاستحق بالفعل أن يعتبر صاحب رسالة قومية حضارية، فإظهار هذه الكفاءات العربية الواعدة والمبدعة من ظلام مرحلة محبطة ومرعبة يعتبر إنجازاً هائلاً، وبخاصة أن هؤلاء الأطفال الذين أخرجتهم "مغْرفة" أول قناة تلفزيونية، على الصعيد العربي كله، من قعر بئر مجتمعاتنا المشغولة بكل هذا الذي يوجع القلوب ويدمّر المعنويات؛ هم عملياً مِن الذين ينامون مع مشاهد الرعب الذي تعيشه منطقتنا، ويصحون مع مشاهد أكثر رعباً مما كانوا يشاهدونه قبل أن يغمضوا عيونهم التي يذرف بعضها دموعاً ساخنة، في كل ليلة، على أحبة ذهبوا ولن يعودوا، وعلى أوطان تمزقت إرباً... إرباً، وعلى مهاجرين تقطعت بهم السبل، وعلى أطفال ابتلعتهم أمواج بحور الظلمات.بمتابعة هذا البرنامج الرائع، الذي يستحق الشيخ وليد إبراهيم (أبو خالد)، ومعه المعدون له، ألف شكر، فقد ثبت أن الأصيل في هذه الأمة لم يغب، وأنه لايزال في صدور وقلوب أبنائنا الصغار، وأن العروبة كما أعطت منذ بدايات مسيرتها الطويلة إبداعات كثيرة، في المجالات كافة، فإنها لا تزال معطاءة لكل جميل، وأن أطفالها، وهذا هو الأهم، يحملون رسالتها الخالدة في هذا الجانب الإبداعي، الذي ظننا أنه رحل عنا وأنه لن يعود.
كنت أظن، مثلي مثل كثيرين غيري، أن أطفالنا الذين سيذهبون إلى برنامج الأصوات الشابة سيتقافزون على خشبة البرنامج كشياطين صغيرة، وأنّ أياً منهم، لو أنه خضع لامتحان عاجل، فسئل من هو فريد الأطرش ومن هي أم كلثوم، وهذا ينطبق على عبدالوهاب وصباح فخري وفيروز وناظم الغزالي وطلال مداح ومحمد عبده ووديع الصافي، لهز كتفيه الصغيرتين، استغراباً، ولذكر أسماء كثيرة ربما من بينها اسم مايكل جاكسون المعروف وغيره.إن هؤلاء الأطفال الذين قدموا إبداعات عظيمة في برنامج الـ "M.b.c" قد استنهضوا الوجدان العربي، وأثبتوا أن هذه الأمة ستبقى معطاءة حتى في أحلك الظروف وأصعبها، وأن ما قدموه أثبت أنّ العروبة الأصيلة لم تغب ولم تمت. ويقيناً، فإنّ ما قدمه أطفالنا في هذا البرنامج العظيم، وفي هذه الفضائية الطلائعية المعطاءة لا يقل طلائعية عمّا قدمه روادنا الأوائل في مرحلة سابقة صعبة، أصبح فيها الشعور والوجدان القومي كبصيص ضوء شمعة في كهف مظلم نهايته بعيدة.وعليه، فإنني أعتقد أن جامعتنا العربية يجب أن تتبنى إنجازات هذا البرنامج العظيم في هذه القناة العظيمة بإبداعاتها الفنية والأدبية، وأيضاً السياسية الرائعة، والمؤكد أن هؤلاء الأطفال الذين سمعنا تغريداتهم الجميلة في برنامج "الأصوات الشابة" هم حاضر ومستقبل هذه الأمة، مثلهم مثل نظرائهم في مجالات هامة أخرى تدل كلها على أن هذه الأمة العظيمة معطاءة، وستبقى معطاءة رغم ما تتعرض له من محاولات تغييب وتمزيق واقتلاع وقضاء على ما في قلبها من إبداعات كثيرة.