في أمسية جمعت العديد من الأدباء والمثقفين، نظمها الملتقى الثقافي للأديبة ليلى العثمان حتى يعرض عوالم سيرتها الذاتية لإصدارها "أنفض عني الغبار"، التي صدرت عن دار العين بالقاهرة، قدم د. علي العنزي ورقة نقدية حول الإصدار، وكانت هناك شهادة للدكتورة نجمة إدريس.في البداية، قال مؤسس ومدير الملتقى الثقافي طالب الرفاعي:" أن تلتقي بجلسة أو أمسية أو ندوة أو محاضرة حول ليلى العثمان، فأنت تلتقي بتاريخ جميل ومهم ومميز للأدب الكويتي، ليلى العثمان ليست كاتبة، ليست روائية، ليست قصاصة، وليست صحافية، هي كل هذا مجتمعا، إضافة إلى ذلك ليلى العثمان منذ أن بدأت الكتابة شكلت نموذجا لكثير من الفتيات والبنات داخل الكويت، وضمن حدود منطقة الخليج، بل عدت ذلك إلى وجود عربي وعالمي، فقد ترجمت كتب العثمان إلى كثير من اللغات، وكان بيت ليلى العثمان لا يقل حضورا وأهمية ووجودا لكل الأدباء العرب". وأكد الرفاعي أن العثمان عندما تتكلم عن سيرتها الذاتية، فهي تتكلم عن سيرة الكويت، وعن البيت الكويتي وعن أوجاع المرأة الكويتية.
إضافة مهمة
من جانبه، قدم د. علي العنزي ورقة بعنوان "أنفض عني الغبار... التأمل الفعال والتاريخي للحياة"، قال فيها "إن هذا العمل إضافة مهمة لأدب السيرة الذاتية في المنطقة"، وأنه سيتوقف "مليا عند سبب ندرة هذا اللون من الكتابة".واستعرض العنزي محتويات الإصدار، مردفا: "قبل أن نتأمل معا أنفض عني الغبار، على أمل أننا نحاول مع بعضنا البعض، أن نحدد بالضبط الدوافع والمؤثرات والأفكار التي صاغت سيرة ليلى العثمان" مبينا أنه: "رغم أن هذ الكتاب سيرة ذاتية، فأنا في اعتقادي أنه بالأساس "صناعة لوعي جمعي"، وإن كتب كـ "صناعة لوعي فردي، وذلك لما يفتحه من نقاش خصب لم ينته بالنسبة إليّ بعد".وتوقف العنزي عند إهداء ليلى للكتاب، مبينا "أنها تهدي أنفض عني الغبار إلى أولادها الستة وأحفادها قائلة: هذه حياة أمكم، وأتمنى أن تكون حياتكم أفضل من حياتي"؛ مشيرا إلى أن ليلى تنفض هاهنا "الغبار عن سنوات عمرها المتعاقبة، وكأنها تضع هدفا محددا شبيها بالحكمة تتوخى الوصول إليه، وكما تعلمون فإن كاتب العمل الأدبي لا يضع - غالبا - هدفا محددا شبيها بالحكمة يتوخى الوصول إليه، لأن التحولات التي تطرأ أثناء عملية الكتابة، والصيغة النهائية ودوافع للكتابة التي يتبلور عبرها أي عمل، أمور متشابكة، لا يمكن اختزالها وتبسيطها إلى ما يوازي العرض والخلاصة".وذكر العنزي أن أكثر ما لفت الانتباه إلى هذا الأثر الأدبي هو ذلك الربط بين الحياة الاجتماعية وسلوكيات الإنسان، مستشهدا ببعض ما كتبت العثمان. وعلى المستوى النقدي قال العنزي إنه يسجل للكاتبة أنها "وفرت لنفسها هامشا واسعا من الحرية والديمقراطية، لكن من الممكن أن يؤخذ - على مستوى الشخصيات لا الأحداث – أن السيرة تضمنت الترسيمة التقليدية في الأدب للأخيار والأشرار، وأن الكاتبة لم تتحاش التحرك وفق أفكار سابقة وجاهزة عن الشخصيات؛ أعني أن هناك في "أنفض عني الغبار" أشرار وأخيار، رغم أنني حينما قرأت الكتاب تمنيت ألا يكون فيه لا أخيار ولا أشرار، بل رؤى متقاطعة وأفكار ومصالح متناقضة، ولكل خطابه وحجته التي قد لا تخلو من بعض الصواب".وختم قائلا إنه رغم كل ما قلته بشأن لو أن ليلى تجنبت - قدر المستطاع - الإدانة المطلقة لبعض الشخصيات، فإنه يجدر القول على مستوى "صناعة الوعي الجمعي" الخاص بـ "منزل والدها وطفولتها"... قدرتها على تصوير هذه الشخصيات العائلية بصورة تصدم الكثير من القراء، "أعني أنها تتجرد بالكامل من نزعة تمجيد الذات، في مجتمعات عربية تحيا على هذا التمجيد!"، مشيرا إلى أن "هذا التجرد الكامل من نزعة تمجيد الذات، ضد الميل الرومانسي العربي في كتابة التاريخ، وهي الشعوب التي تعيش على تمجيد ماضيها، وتتلمس مستقبلها عبر التغني المتواصل بهذه الأمجاد".فضول الإنسان
من جانبها، قالت د. نجمة إدريس إن "أنفض عني الغبار" سيرة ذاتية بكل جوانبها الفنية، وليست لها علاقة بالرواية على الإطلاق. وتحدثت د. إدريس عن السيرة الذاتية بشكل عام قائلة: "السير الذاتية هي من أكثر الإصدارات التي تجذب القارئ، ومن أكثر الأجناس الأدبية جلبا لوجود هذا الفضول في نفس الإنسان، خاصة عن الشخصيات الحقيقية، لاسيما أن كاتب السيرة الذاتية هو بطل سيرته، وهو شخص حقيقي يعيش معنا على أرض الواقع، وربما تجمعنا به صلات، يظل لدينا الفضول في أن نعرف دهاليز هذا الإنسان وعلاقاته، وشخصيته، وأسرته، وتطلعاته، وآماله، فيظل هذا الفضول موجودا، لذلك ننكب بشكل كبير على قراءة السيرة الذاتية". وأضافت د. إدريس: "دائما السيرة الذاتية بشكل تلقائي، وعند ليلى العثمان بشكل خاص، هي كتبت سيرتها منذ زمن طويل، فمنذ بدايتها وهي تدس في روايتها، وفي ما تكتب جوانب واضحة جدا أنها تنتمي لها، نجد ذلك في المحاكمة، ونجده في معظم كتاباتها المتفرقة حتى في قصصها القصيرة نجد ملامح". وتابعت د. إدريس أنه في السيرة الذاتية يتوازن الإنسان، حيث نجد جانبا آخر، مهما كان الإنسان منغمسا في أي مجال فكري، وفلسفي.. إلخ، ولكن عندما يكتب سيرته الذاتية حين ذلك فقط نشعر بأن هذا التوازن الإنساني قد اكتمل لديه. وأكدت د. إدريس أن "السيرة الذاتية الناجحة لابد أن تمتلك سماتها الفنية، حيث إن لكل جنس أدبي سماته الفنية، ومنها لابد من وجود صراع، وإذا لم يكن هناك صراع مع الظروف، والناس، وهيكل الحياة بشكل عام فإذن هي بلا قيمة".قساوة
وتحدثت العثمان، فقالت في البداية: "تكرمت د. إدريس بعد أن قرأت المخطوطة الأولى، وقالت إنها أثارتها هذه السيرة، وتود أن تكتب مقدمة، ففرحت أنا كثيرا، لأنه شيء مشرف أن تكتب د. إدريس، مقدمة السيرة الذاتية"، ومن ثم تحدثت العثمان عن كثير من التفاصيل والمقتطفات في سيرتها الذاتية، مشيرة إلى أنها عاشت طفولة قاسية، وكيف تركت هي وأخواتها بيت زوج أمهن ليقمن في بيت أبيهن، لتقابلهن زوجة أب بقساوتها. ووصفت العثمان والدها بأنه كان قاسيا، غير أنها تعترف له بالفضل في تزويدها بما شاءت من الكتب بعد خروجها من المدرسة، حيث كان يسمح لها بالقراءة، لافتة إلى أنها أسقطت بعض الأشياء، لكي لا تشوه صورته عند الكويتيين.وتابعت موضحة أنها تعدت الستين، وكانت على حافة الموت، وشعرت بأنها يمكن أن ترحل دون أن تترك لأبنائها شيئا عن حياتها، ثم قررت كتابة كل شيء، وأبدت العثمان ندمها على بعض الأشياء والأحداث التي لم ترد في سيرتها، وإن تركت الباب مفتوحا لكتاب آخر يضم هذه الأشياء المنسية. وأكدت أنها كتبت سيرتها بصدق، ولم تلجأ إلى تزييف أو تجميل نفسها، والواقع الذي كانت تعيش فيه. كما تحدثت العثمان عن قسوة الأم ومقاطعتها لها، مشيرة إلى "شعورها بالمرارة كلما تذكرت أن أمها ماتت في نفس اليوم الذي قررت زيارتها فيه، وتعلمت درس بر الوالدين وعلمته لأولادها".مداخلات
وتحدث الروائي فهد الهندال عن المتلقي فقال: "المتلقي ليس جالسا بيننا، ولكنهم أحفاد أو أبناء ليلى العثمان، والجيل القادم الذي لم يعرف العثمان، والذي لم يقرأ روايات ليلى العثمان، وكلنا يعرف العثمان، ونعرف الأجزاء التي باحت بها في بعض روايتها، العثمان تقدم صورة لمن هو قادم من القراء والكتاب". وأشار الهندال إلى أن لغة السيرة كانت متواضعة جدا، تخلت فيها ليلى عن شخصيتها الروائية، فتتحدث ليلى العفوية، والإنسانة، بعيدة عن أدوات الكتابة الأدبية. من جانبها، تحدثت د. ليلى المالح عن بداية وجودها في دولة الكويت، وكيف استقبلتها ليلى العثمان بحفاوة وترحيب.