لا يلتقيان
تراجعنا على صعيد الحرية بلغ مدى لا يطاق أو يحتمل، فلا السياسي يمكنه أن يتحدث ولا الناقد ولا المفكر إلا في إطار محدود من القضايا والملفات، وهذا التراجع ساهم وما زال في تغيير هوياتنا وشخصياتنا، وإن لم نتدارك هذا الأمر فستكون منشآتنا الجدية عروشا خاوية قريبا.
تشهد الكويت في السنوات الأخيرة نشاطا معماريا ملموسا على صعيد الثقافة والفنون، فمن تشييد مسرح عبدالحسين عبدالرضا مرورا بمركز جابر الأحمد الثقافي، وانتهاء بمركز عبدالله السالم الثقافي الذي تم افتتاحه بحضور سمو الأمير يوم الاثنين الماضي.وبكل تأكيد فإن هذا النشاط العمراني الثقافي بعد سنوات طويلة من التوقف والتأخر لهو أمر محمود ومفرح، ويدعو للتفاؤل، إلا أن هذا التفاؤل والفرح بما نراه من حراك ثقافي على الصعيد العمراني يشوبه هاجس لا بد من الالتفات إليه ومناقشته حتى يعالج ويزول.فكم من دولة سبقتنا عمرانيا بتشييد المراكز الثقافية والمنشآت الضخمة الرائعة، إلا أنها لم تتمكن من تنمية البشر ثقافيا رغم ضخامة ما صرفوه على المنشآت، والسبب ببساطة أن الثقافة وتنميتها وارتقاءها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحرية، فلا يمكن أن يستقيم أمرها دونما حرية تجعلها تنمو وتتطور وتزدهر.
وهو الهاجس نفسه الذي يقلقني في الكويت، فعلى الرغم من هذه الصحوة العمرانية الثقافية فإن التراجع الحاد الذي نعيشه على مستوى حرية التعبير ينذر بهدم مؤكد لخصوصية جعلت للكويت شكلا وهوية مختلفين.هل ستوافق الرقابة اليوم على نص "حامي الديار" أو "هذا سيفوه" كما وافقت عليه قبل ٣٠ عاما ليعرض بمسرح عبدالحسين عبدالرضا؟ وهل بالإمكان مناقشة نظريات التطور والانفجار الكبير بمركز عبدالله السالم الثقافي؟ وهل سيحتضن مركز جابر الأحمد فعالية تتعلق بجلال الدين الرومي؟أعلم أن (لا) النافية هي الإجابة، وهنا المشكلة، وأنا لا أختزل الحرية بالثقافة فقط بل أبينها من هذا المنطلق، فتراجعنا على صعيد الحرية بلغ مدى لا يطاق أو يحتمل، فلا السياسي يمكنه أن يتحدث ولا الناقد ولا المفكر إلا في إطار محدود من القضايا والملفات.هذا التراجع ساهم وما زال في تغيير هوياتنا وشخصياتنا، وإن لم نتدارك هذا الأمر فستكون منشآتنا الجدية عروشا خاوية قريبا، فالثقافة والقيود لا يلتقيان.