«القرين» وتجارة الترانزيت
نستكمل أخي القارئ حديثنا عن التاريخ والقراءة الحديثة للأحداث من زوايا جديدة، ونتعمق في جوانب تاريخ الكويت الحديث، فقد وصف العديد من المؤرخين فترة ما بين عامي 1775 و1779 بمحطة عامة من محطات بناء الطريق التجاري في المنطقة، وقد شهدت تلك الفترة زحف الفرس وحصارهم للمنطقة، فارضين حصارا استمر 13 شهرا حتى 1776، الأمر الذي اجتذب إحدى المؤسسات الدولية المتميزة بالنشاط التجاري والاتصال والبريد، وهي شركة الهند الشرقية للانتقال إلى الكويت. ومن هنا بدأ المؤرخون برسم الملامح الاقتصادية للمدينة، فابتدؤوا برصد تحول طريق البريد من الشام إلى الكويت، فأصبحت مرحلة مهمة في المسار التجاري، وسط تشكل الطريق التجاري البري لاستلام البريد والبضائع وإعادة تسليمه للدول أي طريق الترانزيت.
ويفسر الباحث في التاريخ الحديث محمد العنزي ازدياد أهمية موقع الكويت آنذاك وحيازها على الاهتمام الدولي، وعلى الأخص البريطاني، مسلطا الأضواء على عدة أسباب، منها ازدياد حدة الصراع البريطاني الفرنسي بعد حملة نابليون التي استهدفت مصر عام 1708، والتي أضعفت النفوذ البريطاني هناك، وحولت الاهتمام إلى مناطق أخرى وبدائل، ومنها منطقة الخليج، الأمر الذي أدى لزيادة القيمة الاستراتيجية للطريق التجاري بمنطقة "القرين" أي الكويت قديما، وعزز الأهمية الاستراتيجية أيضا لمنافذها البرية والبحرية.ولم تقف أهمية المنطقة عند هذا الحد فحسب، بل أشارت تقارير شركة الهند الشرقية إلى رسائل ومقالات تناولت منطقة الخليج في تلك الفترة، مشيرة إلى ازدياد رواج بضائع بومباي وكاليكوت في أسواق حلب ومنطقة بلاد الشام، ونظرا للظروف الأمنية المتمثلة بسيطرة الفرس على البصرة، فقد وقع الاختيار على منطقة "القرين" كما جاء في الوثائق لاستقبال السفن القادمة من ميناء بوشهر، أي تحولت القرين بفضل موقعها الاستراتيجي والظروف السياسية المجاورة بالإضافة إلى الهدوء النسبي والأمن إلى منطقة للترانزيت. أضف إلى ذلك خلو المنطقة من الأمراض والأوبئة، كما جاء في حديث أحد موظفي وكالة الهند الشرقية بعد تعرضه للمرض في البصرة، فزار الكويت عام 1790 للراحة واصفا المنطقة بخلوها من الأمراض والأوبئة. وللحديث بقية مع محطة تاريخية أخرى.