العملات الرقمية... تشدد عالمي وتهاون كويتي!

• سرقة منصة كوينشيك اليابانية حفزت جهات الرقابة العالمية على حصارها وتحجيم مخاطرها
• المطلوب محلياً خطوات احترازية قانونية وأمنية وتبنّي برامج التوعية وشرح المخاطر للمتداولين

نشر في 08-02-2018
آخر تحديث 08-02-2018 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
من شرق العالم إلى غربه، اتخذ العديد من الجهات الرقابية والتشريعية إجراءات من شأنها محاصرة العملات الرقمية، أو على الأقل الحد من مخاطرها.
لم يكن هذا الأسبوع لافتاً بالنسبة إلى العملات الرقمية على صعيد التداولات التي ناهزت الخسائر فيها نحو 66.5 في المئة من قيمتها مقارنة بأعلى قمة وصلت إليها عند 832 مليار دولار في 7 يناير الماضي، فحسب، بل في انطلاق ورشة عالمية على مستوى الدول والبنوك التجارية والمركزية لمواجهة مخاطر هذا النوع من العملات، التي تتنوع بين الجوانب القانونية والمالية، حتى تلك المرتبطة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب؛ نظراً لضبابية التعاملات، وسهولة، أو على الأقل، إمكانية تنفيذ عمليات قرصنة على محافظها الاستثمارية، فضلاً عن مخاطرها التفصيلية، لأنها مجهولة الهوية، وبلا مصدر معتمد، وغير خاضعة لقواعد السياسات النقدية التي تتبعها البنوك المركزية عالمياً، كما أن معظم مضاربيها لا يفهمون طبيعتها وتذبذباتها وإمكانية انشطارها.

منصة كوينشيك

ولعل ما حدث في اليابان نهاية الشهر الماضي قد حفز العديد من جهات الرقابة العالمية إلى المضي في حصار العملات الرقمية وتحجيم مخاطرها، إذ تعرضت منصة "كوينشيك"، وهي بورصة رئيسية لتداول العملات الرقمية مقرها طوكيو، لقرصنة إلكترونية، وسرقت عملات قيمتها 534 مليون دولار، لم تتمكن المنصة من تحديد المهاجمين، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتم فيها قرصنة منصة عملات رقمية، لكنها كانت لافتة، لأنها الأعلى قيمة، والأهم من ذلك، أنها تمت على منصة نفذت قدراً عالياً من الحماية ضد القرصنة!

إجراءات مشددة

ومن شرق العالم إلى غربه، اتخذ العديد من الجهات الرقابية والتشريعية إجراءات من شأنها محاصرة العملات الرقمية، أو على الأقل الحد من مخاطرها، إذ تستعد الصين لإطلاق موجة جديدة من التشديد الرقابي، بعد حملتها الأولى التي انطلقت ضد هذه البورصات في عام 2017، والتي تمثلت في إغلاق آلاف المنصات والمواقع المتعاملة بها، أما في الولايات المتحدة، فقد حظرت بنوك كبرى على مستوى "بنك أوف أميركا" و"جي بي مورغان" و"لوديز البريطاني" استخدام بطاقات الائتمان في شراء العملات الرقمية، واستعداد "سيتي جروب" لنفس الإجراء، أما كوريا الجنوبية فقد داهمت شرطتها وسلطات الضرائب عدداً من مقرات تداول العملات الرقمية بسبب "التهرب من الضرائب في تبادل العملات"، إذ تسعى سيول إلى وضع نظم ضريبة تجعل العائد على العملات الرقمية غير ذي جدوى في بلد يصنف كأكبر أسواق العملات الرقمية في العالم. حتى الإمارات كررت جهات الرقابة فيها، وهي هيئة الأسواق والسلع، التحذيرات الرسمية السابقة بشأن المخاطر، فضلاً عن عدم الاعتراف بها.

أما الإجراء الأكثر أهمية، فقد كان في مجلس الشيوخ الأميركي، إذ جرت جلسة استماع، شددت فيها هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية على أن العملات الرقمية غالباً ما يتم تداولها على منصات إلكترونية تطلق على نفسها اسم "بورصات"، غير أن لها مظهراً "مخادعاً"، محذرة من أن الهيئات التنظيمية ليس لديها وسيلة مناسبة للسيطرة على سرقات العملات الرقمية، أو الاستيلاء على منصة ما للتداول، في حين وصفت لجنة مكافحة الإرهاب غياب السلطة والسيطرة على هذه الأسواق بالـفجوة... وسط مساعٍ لتنظيم هذه الأسوق، والحد من المخاطر الكبيرة على جمهور المستثمرين.

خمول كويتي

وفي الكويت، هناك تعاملات على نطاق يصعب قياسه في العملات الرقمية، وتحديداً "البتكوين"، إذ يتم التعامل بها من خلال شركات الوساطة المالية التي يواجه معظمها مشكلات مع عملاء تتعلق بالعمولات وعدد من الأسواق المركزية الخاصة، فضلاً عن إعلان إحدى الشركات العقارية، رسمياً، فتحها محفظة "بتكوين"، لتسديد الإيجارات وشراء العقارات، بحجة عدم وجود تشريعات تمنع التعامل بها، مما يفتح المجال للتساؤل حول دور الجهات الرقابية في الكويت، وخصوصاً بنك الكويت المركزي ووزارة التجارة والصناعة، حيال هذه العملات الرقمية، إذ لم يصدر أي قرار يتعلق بالمنع أو التحذير أو التنظيم أبداً، بل أصدر البنك المركزي وصفاً "بأنها عملة افتراضية تتسم باللامركزية، وصعوبة التحكم بعملياتها"، في معرض حديثه عن إمكانية إطلاق عملة رقمية تحمل خصائص الورقة النقدية من ناحية القيمة المكافأة ورقم الإصدار، ويتم استخدامها لسداد قيمة المشتريات من السلع والخدمات، دون أن يحذر أو ينذر أو يبين مخاطر التعامل مع هذا النوع من العملات، وهو أمر يفتح المجال لسلبيات عديدة، تخلق أزمة نظامية على صعد اقتصادية وأمنية وغيرها، إذ توسع انتشار هذه التعاملات محلياً في ظل غياب جهات الرقابة والتنظيم.

شتان بين الكويت والخليج

وشتان ما بين موقف "المركزي الكويتي" ونظيريه السعودي والإماراتي، إذ قالت مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) إن "البتكوين" لا تعد عملة معتمدة داخل المملكة، والتعامل بها أو غيرها من العملات الرقمية له عواقب سلبية مختلفة على المتعاملين، لأنها خارج المظلة الرقابية داخل المملكة، أما المصرف المركزي الإماراتي فحذر من خطورة التعامل بها، وشدد على أن تعامل الأفراد بالعملات الرقمية محفوف بالمخاطر، فضلاً عن إمكانية استخدامها في عمليات مجرمة.

في حين أعلنت قطر، التي سبق أن تبنت- مثل الكويت- فكرة خلق عملة رقمية خاصة بها، منعت التداول أمس بالبتكوين، حرصاً على سلامة الجهاز المصرفي والمالي، وتخوفاً من الجرائم المالية والقرصنة الإلكترونية، مع توقيع الجزاءات وفقاً للقانون القطري.

خطوات وتوعية

وعليه، فالمطلوب محلياً ليس اتخاذ خطوات احترازية قانونية وأمنية تجاه مكافحة التعاملات المشبوهة بالعملات الرقمية وخصوصا المتعلقة بغسل الأموال أو تمويل الإرهاب والعديد من أوجه الجريمة فحسب، لأن هذه أمور واجبة حتماً وإن كانت غائبة، بل المطلوب هو تبني عمليات وبرامج التوعية وشرح المخاطر للمتداولين، فالعالم كله يتابع ويراقب أثر هذه العملات على أسواقه ومستثمريه وتعاملاته وأمنه، ويجب ألا تكون الكويت هي البيئة الخصبة للمضاربات العشوائية أو حتى التعاملات المشبوهة.

قطر التي تنوي إطلاق عملة رقمية خاصة بها منعت تداول «البتكوين» تخوفاً على نظامها المصرفي
back to top