واشنطن أم الحلول!
نعم إن هذا صحيح، وألف صحيح أنه لا سلام بدون دور للولايات المتحدة، وعندما يكون صاحب هذا الكلام هو عبدالله بن الحسين العاهل الأردني؛ فإنه يعني الحقيقة، والحقيقة أن أميركا هي الوحيدة في العالم كله القادرة على إلزام إسرائيل بموقف هي بالأساس لا تريده، والسبب معروف، وهو أن هذه الدولة "الصهيونية" هي صناعة أميركية من الألف إلى الياء، وذلك رغم أن الأميركيين ما كانوا يعولون عليها كثيراً قبل انتصارها الكاسح في حرب يونيو عام 1967، وأيضاً -وإن بحدود أقل- في حرب 1973، وبخاصة على الجبهة السورية، إذ لا يزال معظم هضبة الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي. وهنا، وبما أن الكلام يستدرج الكلام؛ فإنه لابد من التذكير والتأكيد بأن أكبر خطأ ارتكبه العرب، إن لم يكونوا كلهم فأغلبيتهم، هو رفْضهم لـ "حلف بغداد"، المعاهدة المركزية، الذي كان أساساً فكرة رئيس وزراء العراق الأسبق نوري السعيد، رحمه الله ألف رحمة، ومعه باكستان وتركيا، بهدف "تقزيم" مكانة إسرائيل لدى الولايات المتحدة تحديداً، ولتحول اعتمادها من هذه الدولة "الصهيونية" إلى هذا الحلف، الذي إذا أردنا قول الحقيقة بعد كل هذه السنوات الطويلة أن الذين أحبطوا هذه المحاولة العظيمة هم الإسرائيليون، وليس المظاهرات الصاخبة ولا شغب الشوارع، ولا أيضاً الأنظمة التي كانت تعتبر ثورية. ولعل ما يبعث على الأسى والأسف أن انقلاب عام 1958 الدموي البربري والوحشي، الذي سُحِل فيه بشوارع بغداد كبار المسؤولين في النظام الملكي العراقي، ومن بينهم ذلك الشاب فيصل الثاني الذي كان يشبه زهرة ربيعية جميلة، ونوري السعيد الذي كان يعتبر من أهم الكفاءات والشخصيات السياسية، ليس في الشرق الأوسط فقط، بل في العالم... ولعل ما يعزز الأسف والحزن أن يوم تنفيذ هذه الجريمة التاريخية، التي لا تزال تطارد أحفاد الذين نفذوها والشعب العراقي العظيم كله، لا يزال يُعتبر عيداً وطنياً عراقياً، وأي عيد!
إن قول هذا الكلام الآن هو للتذكير بأن نتائج الابتعاد عن الواقع والانسياق، حتى حدود الإجرام، في الغوغائية وسحل الأبرياء في الشوارع، هي ما نراه الآن في العراق العظيم، جدار الأمة العربية الشرقي. وهنا فإن الواقع يملي علينا أن نتحلى بالشجاعة، ونقول إن ما أشار إليه عبدالله بن الحسين هو كل الحقيقة، وهو الواقعية بعينها، فبدون الولايات المتحدة لا عملية سلام لأزمة الشرق الأوسط، ولا حل للقضية الفلسطينية مادام الوضع العربي هو الوضع الذي "لا يسر الصديق ولا يغيظ العدا".وعليه، فيفترض أن من المعروف أن مشكلتنا، فلسطينيين وعرباً، ليست مع الدولة الأميركية كدولة، بل مع هذا الرئيس دونالد ترامب "الصهيوني" أكثر كثيراً من تيودور هيرتزل، والذي يجب تركيز غضبنا عليه وحده، لا على أميركا، وإفهام الأميركيين بالتواصل المستمر معهم وبالتفهم والتفاهم، أن ما يقوم به هذا (الرئيس) ضد مصالحهم وضد مصالح دولتهم، وأن حل القضية الفلسطينية على أساس قيام دولة للشعب الفلسطيني على حدود يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، سيخدم القضايا الأميركية، وكذلك فإنه يجب استدراج هذه الدولة التي هي الأقوى والأكثر تأثيراً في العالم كله إلى الدائرة العربية. إن "القطيعة" ليست في مصلحة قضيتنا، وإن القرار الفعلي بالنسبة لهذا الصراع هو قرار أميركي!