«على كف عفريت»!
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
إنها سياسة {دفن الرؤوس في الرمال}، بحجة أن الحفاظ على الأمن يخول للقيمين عليه انتهاك الحرمات، واغتصاب الحقوق، وسلب الحريات، ولما ترفض {مريم} الخضوع للمنطق الفاسد، وتُصر على إبلاغ الصحافة بما تعرضت له، يتم تهديدها بالاعتقال، والسجن مدة ستة أشهر، بتهمة الزنا والإخلال بقوانين البلاد، وارتكاب فعل فاضح يتعارض والأخلاق الحميدة، والآداب العامة، ويُخل بالحياء العام!واقعية مؤلمة وقاسية اعتمدت على واقعة حقيقية جرت في العام 2012، ومع هذا تعمدت المخرجة إلقاء مسؤوليتها على النظام السابق، برئاسة زين العابدين بن علي، وهي الثغرة التي أصابت الفيلم في مقتل، فإلصاق التهمة بالعهد السابق، خصم من جرأة الفيلم، ومن قوته في مناهضة أشكال القهر والاغتصاب في كل العهود. كذلك التركيز على فساد الجهاز الأمني، وإظهار رجاله بأنهم حفنة من الأشرار أقرب إلى رجال العصابات أضفى على الفيلم مبالغة ممقوتة، وأوقعه في فخ التكرار، بدلاً من التكثيف والاختزال (مونتاج نادية بن رشيد)، رغم الإثارة، وكم التشويق، الذي حملته الأحداث، ونجاح المخرجة في التحريض ضد مرتكبي الانتهاكات اللاإنسانية، عبر جرعة هائلة فضحت الممارسات القذرة التي تولد الغضب والأسى والمرارة!{على كف عفريت}، الذي تحمس لإنتاجه حبيب عطية ونديم شيخروحه، يُعد صرخة في وجه القهر، والقمع، وإهدار الكرامة الإنسانية، كما توافرت له عناصر فنية جيدة، على رأسها الموسيقى الهادئة، والمُعبرة (موسيقى أمين بوحافة)، والأداء التمثيلي الذي لا يعرف الصخب (مريم الفرجاني، وغانم زريلي، والشاذلي العرفاوي)، وإن مال أداء بعض ممثلي الأدوار الثانوية إلى المبالغة، شكلاً ومضموناً (محمد العكاري في دور الضابط ذي الوشم كونه يحاكي أبطال أفلام {الويسترن} والعصابات الأميركية، وهو آخر أدواره بالمناسبة إذ توفي بعده). لكن العمل، في مجمله، يمثل إضافة حقيقية للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، التي تتبنى، في أفلامها القليلة، خطاً وأسلوباً لا يمكن تجاهلهما، حيث اعتادت النهل من الواقع لتصنع الروائي، واستمرأت فضح الانتهاكات و{المسكوت عنه}، وإن بدت جرأتها مقصورة على التنديد بالعهد السابق، كما فعلت في فيلمها {شلاط تونس}، الذي اعتمدت فيه على أرشيف الشرطة بعد الثورة، واختارت واقعة جرت في شوارع العاصمة التونسية سنة 2003، لكنها وظفتها لإدانة النظام السابق. وعندما استوحت فيلمها {على كف عفريت} من قصة واقعية وقعت فصولها في العام 2012، أي بعد ثورة الياسمين، أرادتها فرصة للتنديد بالانهيار الحاصل في المجتمع التونسي ما قبل الثورة!